تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن النتيجة التي تحصلنا عليها من مفهوم المصيبة: أنها إذا أتت عامة على الجميع، فسببها المعصية، ثم في تنزيلها على الخاصة، يختلف سببها الخاص: فبعضهم يصاب لمعصيته؛ فإما تكفيرا إن كان من المرحومين، أو انتقاما إن كان من المجرمين، وبعضهم ابتلاء، وبعضهم رفعة، فالمصيبة بمجردها ليست مقياسا على صلاح الإنسان أو فساده، إيمانه أو كفره. فما المقياس إذن؟.

المقياس هو الأحوال: - فالطائع في حقه: تطهير، وتزكية، ورفعة.

- والعاصي المقر بذنبه في حقه: تكفير ومحو للذنب.

- والمجرم في حقه: عقوبة وانتقام.

وكل واحد من هؤلاء يعرفون بالعلامات، التي لا تخفى على أحد، فمن كان طائعا لله تعالى، فنور الطاعة يمشي بين يديه، ومن كان عاصيا، فظلمة المعصية على وجهه وجوارحه.

بعد هذا التطواف في النصوص، نعود إلى مصاب الأهل والإخوان في جدة؛ فالمصاب العام سببه الذنب، أما في الخصوص فليس سببه الوحيد الذنوب، بل منه ما سببه تطهير وتزكية أقوام. ومنه ما سببه رفعة درجات أقوام. ومنه ما سببه الذنب، لكن أي ذنب هو؟ أهو ذنب الغرقى الشهداء –رحمهم الله– والمتضررين كان الله بعونهم؟.

أم ذنب الذي استولى على مسيل الأودية لنفسه، ثم خططها وباعها على المساكين، الذين لا هم لهم إلا بيت يكنهم، والذي صرح بالبناء، وهو يعلم أنه مسيل الوادي؟.

لا شك أن المتسبب المباشر في الكارثة هم الذين استغلوا الأودية وباعوها، ومن أذن لهم. والذين لم يجعلوا للمدينة مصارف سيول ومجاري، فلولا هذا منهم، لما كان كل هذا المصاب الجلل.

فهذا سبب عام في المصيبة ومباشر، وهناك أسباب تخص كل إنسان تضرر، فيما بينه وبين ربه، إن كان قد أسرف وفرط في جنب الله تعالى، فما أصابه كفارة بعون الله تعالى، يطهره بها وينقيه.

ونعوذ بالله أن يكون هذا من الله تعالى انتقاما، بل ولا نعتقد ذلك، فالله تعالى لم يهدنا للإسلام، والعمل الصالح، وجعل بيننا أخيارا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون العلم والدعوة والفريضة، وهم في جدة أكثر من أية مدينة أخرى إلا ما شاء الله، ثم ينتقم منهم بمثل هذا.

الله تعالى لا ينتقم إلا من المجرمين، الذين لا خير فيهم، ومن أمة أطبقت على حرب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس فيهم من صالح مصلح، قال تعالى: "فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ" [هود:116].

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير