تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عن أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبي سُفْيَانَ، عن زَيْنَبَ ابنة جَحْشٍ رضي الله عَنْهُنَّ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فَزِعًا، يقول: (لَا إِلَهَ إلا الله وَيْلٌ لِلْعَرَبِ من شَرٍّ قد اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ من رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هذه). وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قالت زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟. قال: نعم، إذا كَثُرَ الْخَبَثُ). صحيح البخاري (3/ 1221).

فهذا صريح في المعنى، فالخبث إذا كثر، أخذ حتى الصالحين وعمهم بالعقوبة، ليس لعصيان منهم، بل لأن الخبث عام، ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم الصالحة، فيكون هذا سبب موتهم، ولا بد لهم من الموت، كما في حديث غزو الكعبة.

فعن عَائِشَةُ رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فإذا كَانُوا بِبَيْدَاءَ من الأرض، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ. قالت: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ ليس منهم، قال: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ على نِيَّاتِهِمْ). صحيح البخاري (2/ 746).

فهذه حالات ثلاث لوقوع المصائب، لم تفرق بين مصلحين وصالحين ومفسدين، وهي تكشف شيئا عن طبيعة الحياة الدنيا وقانونها: أن فيها الخير والشر جميعا، وفيها الأخيار والأشرار جميعا، فالشر والخير يقع على الجميع مدة حياتهم في الدنيا، لا يسلمون من الشر، فما يخرج المرء من الدنيا إلا وناله شيء من ذلك، قلَّ أم كثر، فليست العبرة بنوع ما أصابه خيرا أم شرا، إنما العبرة في: صبره، واتعاظه، ويقينه، وعمله الصالح، كما قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" [البقرة:155 - 157].

وتأكيدا لهذه الحقيقة: نجد ما يخالف التوقع؛ المصيبة تتجنب المذنب، وتتقصد الطائع، وذلك في حال المجرمين والكافرين، انظر قوله تعالى: "لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ" [آل عمران:196 - 197]. فتجد الكافر والمجرم يرتفع ويرتع في النعيم، ويتقلب في المباهج، والمؤمن التقي والمسلم النقي في عنت ومشقة، لكن كل هذا ظل زائل، فليست الدنيا دار هذا ولا هذا، والله تعالى يعطي هذا الظالم ويمهله، حتى يأخذه فلا يلفته، وهذا هو الإملاء والاستدراج، وهو من أشد وأنكى العقوبات الإلهية، والتي قال عنها جل شأنه:

- "فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ" [القلم:44 - 45].

- "وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" [آل عمران:178].

فهذا في هؤلاء المجرمين الذين أجرموا في حق العباد وحق الله تعالى، يتراكم عليهم الإثم، حتى لا يبقى لهم عذر، فينتقم الله منهم، قال تعالى: "فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ" [الزخرف:55 - 56].

أما المؤمن فيتطهر بما يصيبه؛ إي إنها في حقه هي خير، من ناحية ما يستقبل، إن هو صبر.

عن صُهَيْبٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ، إن أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا له، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا له). صحيح مسلم (4/ 2295).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير