تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذلك بمطالعة سيرهم، ومعرفة ظروف نشأتهم ورحلاتهم في طلب العلم، والاطّلاع على مؤلّفاتهم، حتّى ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى أنّ من الأمور التي ينبغي لطالب العلم معرفتها والاعتناء بها: تاريخ ولادتهم ووفاتهم. وهذا الأدب أصبح اليوم آكد من أيّ وقت آخر، في زمن عُظّم فيه السّفهاء والماجنون، والبلهاء واللاّعبون .. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ومن ذلك القبيل أيضا: نسبة العلم إليهم: فإذا قرأت فائدة أو نقلت علما نبّه عليه إمام من أئمة الدّين، كان من الحقّ له عليك أن تُنوّه بفضله في ذلك، فتقول: كما قرّره شيخ الإسلام فلان، وكما بيّنه الحافظ فلان، ولا توهم النّاس أنّ الفضل-بعد الله-لك وحدك، وإنّما عليك أن تُنصفهم، وتذكر مآثرهم، وتبيّن فضلهم. فهذا ما ممّا يعرّف النّاس بقدر العلماء، ويجعلهم يدركون فضلهم ويغارون عليهم من أن يُنتقصوا أو يهانوا.

9 - لا نرفعهم فوق درجاتهم ولا ندعي عصمتهم:

عن عمررضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله» متفق عليه. وقال عز من قائل: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة31] لأنّ طاعتهم بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وسؤالهم لا عن رأيهم ولكن عن حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن اتبع رخصة كلّ عالم اجتمع فيه الشر كله. قال ابن القيم –رحمه الله- في النونية:

لله حق لا يكون لغيره**ولغيره حق هما حقان

لا تجعلوا الحقين حقا واحدا ... من غير تمييز ولا فرقان.

10 - كلام الأقران في بعضهم يطوى ولا يروى:

قال مالك بن دينار رحمه الله:"يؤخذ بقول العلماء والقراء في كلّ شيء إلا قول بعضهم في بعض" جامع بيان العلم لابن عبد البرّ. وقال الذهبي رحمه الله:"وما من عالم إلا طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون ... " السير.

11 - الاعتذار لهم في الأخطاء والحذر من الطعن فيهم:

إنّ الكلام في هذه النّقطة قبل سنوات قليلة، كان يُعدّ من المسلّمات، ومن الحقائق الواضحات، دون أيّ خلفيّات، ولكن في السنوات الأخيرة اختلط الحابل بالنّابل، والتبس الحقّ بالباطل، قال ابن عساكر رحمه الله:"لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ... ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب .. " إذ الطعن فيهم طعن في الدين، لأنهم حملته ..

ومن أعظم صور الطعن في العلماء: رميهم بالجهل بواقع الأمة التحدّيات الرّاهنة، أو بالمنهج وواقع الجماعات، أو أنهم علماء بلاط يداهنون الحكام ويفتون على حسب مقاس الأمراء، وأنهم عملاء للأمريكان، أو أنهم مغفّلون تنطلي عليهم الدسائس والحيل ... الخ.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد» متفق عليه .. قال ابن تيمية:"ومذهب أهل السنة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"وقال الحافظ الذهبي في (16/ 96) من " السّير "في ترجمة الإمام ابن حبّان رحمه الله تعالى بعد ما ذكر إنكار النّاس عليه قوله: "النبوّة العلم والعمل" وكيف حكموا عليه بالزّندقة وهُجِرَ وكتِب فيه إلى الخليفة فكتب بقتله:" هذه حكاية غريبة، وابن حبّان من كبار الأئمّة، ولسنا ندّعي فيه العصمة، لكن هذه الكلمة التي أطلقها قد يطلقها المسلم ويطلقها الزّنديق الفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن يُعتذر عنه، فنقول لم يُرِد حصر المبتدأ في الخبر، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه و سلم: (الحجّ عرفة)، ومعلوم أنّ الحاجّ لا يصير بمجرّد الوقوف بعرفة حاجّا، بل بقي عليه فروض وواجبات، وإنّما ذكر مهمّ الحجّ، وكذا هذا، ذكر مهمّ النبوّة، إذ من أكمل صفات النبيّ كمال العلم والعمل، فلا يكون أحد نبيّا إلاّ بوجودهما .. أمّا الفيلسوف فيقول: النبوّة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كفر ولا يريده أبو حاتم أصلا، وحاشاه" ومن رام الهدى في هذه المسألة فعليه بكتاب "سير أعلام النبلاء".

وقال أيضا في (14/ 374):" ... ولو أنّ كلّ من أخطأ في اجتهاده مع صحّة إيمانه، وتوخّيه لاتّباع الحقّ أهدرناه وبدّعناه، لقلّ من يسلم من الأئمّة معنا، رحم الله الجميع بمنّه وكرمه".اهـ. وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلّم: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث».فالعبرة بكثرة الصواب لا بمجرّد الخطأ ..

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها ... كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع

الشّاهد-أيّها القراء الكرام- أنّه يحرم تتبّع عثرات العلماء، والتنقيب عن أخطائهم، والتّشهير بهم، والحطّ من مرتبتهم، فإنّه نقص كبير وشرّ مستطير. ولا ينبغي لنا أن نتقمّص قميص النّساء في كفرانهنّ للعشير، يحسن إليها زوجها الدّهر كلّه، فإذا رأت منه ما تكره قالت: ما رأيت منك خيرا قطّ. وكثيرا ما يكون الهوى غالبا على الناس فيتكلموا بغير علم ولا عدل ..

فقد ينبت الدّم على مرعى الثّرى ... وتبقى حزازات النّفوس كما هيا

أيذهب يوم واحد إن أسأته ... بصالح أيّامي وحسن بلائيا

وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا

وختاما، هذه جملة من حقوق العلماء قد وضعتها بين يدي الفضلاء، فأسأل الله العظيم ربّ العرش الكريم أن يُسبغ عليهم شآبيب الرّحمات، وأن يوجب لهم علوّ الدّرجات، وأن يجمعنا بهم في رياض الجنّات، وأن يوفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير