ـ[ابو عبد الرحمن الأندلسي]ــــــــ[03 - 11 - 08, 09:24 م]ـ
بقلم: يوسف بن عاطي / إمام خطيب مسجد الغزالي / بوفريزي
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، أمّا بعد، فهذا - بتوفيق المولى تبارك وتعالى- هو المقال الثاني الذي عُني ببيان مسألة عظيمة النفع كثيرة الخير جليلة القدر، قد نتج من الجهل أو التجاهل بها خبط عظيم وخلط جسيم
بل إنّ الغفلة عنها من أبرز أسباب انحطاط الأمة وانتكاستها وذهاب سؤددها ... إنها مسألة أداء حقوق العلماء، الذين هم في الأمة مصابيح الهدى ومنارات الدجى ... وقد سبق -أخي القارئ- أن قدّمنا لهذا الموضوع العظيم بمقدّمات نافعة، من أهمها بيان الضوابط والمقاييس التي يعرف بها العلماء .. وثنينا بذكر بعض حقوقهم على الأمة، فوضعنا بين يديك نتفا من حقوقهم ونزرا من واجبات الأمة تجاههم، منها: معرفة مكانتهم بين الناس ومنزلتهم في دين الله، حبّهم وموالاتهم، توقيرهم واحترامهم، وأخيرا: ذكرهم بالجميل والإجلال والتّعظيم، ... وسنحاول في هذا المقال –بحول الله تعالى- تسليط الأضواء على حقوق أخرى لا تقلّ أهمية عن سابقتها، فخذ بها جميعها ولا تفرّط في شيء منها، وفّقك الله للعلم النافع والعمل الصالح ...
5 - الأخذ عنهم:
قال ابن مسعود: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرّقت أهواؤهم هلكوا" ... وفي بعض الآثار:"إنّ من أشراط الساعة أن يؤخذ العلم عند الأصاغر" .. والأصاغر هم الصغار في العلم أو هم أهل البدع، وأهل البدع صغار في العلم بلا ريب.
6 - الرّجوع إلى العلماء الربانيين في المسائل كّلها:
الدينية، الطبية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التجارية ... خصوصا في الفتن والنوازل: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ .... ) [النساء83] ومن جميل الشعر:
متى يصل العطاش إلى ارتواء ... إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد ... إذا جلس الأكابر في الزوايا
وإنّ ترفع الوضعاء يوماً ... على الرفعاء من إحدى الرزايا
7 - وضع الثقة في العلماء وإحسان الظنّ بهم:
قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً ..... ) [النور12] يعني ظن بعضهم ببعض خيرا ... وقال عمر:"لا تظنّنّ بالكلمة تخرج من في أخيك شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا". وقال الحسن رحمه الله:"التمس لأخيك سبعين عذرا فإن لم تجد له عذرا فقل: لعل لأخي عذرا لا أعلمه" هذا مع عموم الناس، فكيف بسادات الناس؟!
ولما ثقل على الفاروق عمر رضي الله عنه أمر صلح الحديبية قَالَ له أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ فَأَنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ" .. فلا بدّ من الثقة بمواقف العلماء وأن نلزم غرزهم في مراحل الفتن والأزمات بصفة خاصة، لأن أمرهم أعظم بركة من أمرنا، إذ هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة المنافق ابن أبيّ:"قَدْ وَاَللّهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي".
ثمّ إنّ العلماء قد يؤخرون أشياء أو يكتمونها لما يرون من المصلحة الراجحة في تأخيرها أو كتمانها، في الوقت الذي يرى فيه عامة الناس الضير في ذلك التأخير أو الكتمان، ففي مثل هذه المواقف يحتاج المؤمن إلى المبادرة في إحسان الظن بالعلماء بل وتذكير الناس بوجوب إحسان الظن بهؤلاء الفضلاء. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" رواه مسلم في مقدمة صحيحه ... وفي قوله تعالى: (وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران79] قال البخاري -رحمه الله-:"ويقال الربانيّ الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" ..
8 - نشر فضلهم بين الأحياء:
¥