تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هل انتزاعه كما قال بعضهم إنّه ليس من أداء الأمانة؟ لا بل هي أمانة، لأنّ الأمانة التي أُنيطت بنا ليست هي أمانة قبول المؤلفات على ما هي عليه، وإنما هي أمانة بقاء الأمة على وحدتها في العقيدة وعلى وحدتها في المحبة، فإذ ذهب ذاك الكلام مع زمانه فإنْ تكراره مع عدم المصلحة الشرعية منه لا حاجة إليه، وهذا لا شك أنه من الفقه المهم.

بعض كلمات السلف في المبتدعة، بعض كلمات السلف في أهل الأهواء لها بِساطُ حال في الزمن الأول، وليس ذلك منطبقا على بساط الحال في الزمن هذا، ولذلك ترى أنّ بعضهم أخذ من تلك الكلمات كلمات عامة فطبقها على غير الزمان الذي كان ذلك القول فيه، ولو رأى كلام الأئمة الحفاظ والمحققين من أهل السنة، لوجد أنّه يخالف ذلك الكلام في التطبيق، أما في التأصيل فهو واقع، هذا استطراد لبيان أهمية قراءة كتب المتأخرين من أهل السنة في الاعتقاد وإِحْكامها قبل إدمان النظر في كتب السلف؛ لأنّ إدمان النظر في كتب السلف دون معرفةٍ بقواعد أهل السنة التي قعّدها أهل السنة والجماعة المتأخرون فإنّ هذا يعطي خللاً في فهم منهج السلف بعامة، وهذا له أمثلة كثيرة ربما تحتاج إلى وقت طويل.

المرتبة الثانية: معرفة أقوال المردود عليهم من كتبهم، هذا الآن منهجية للمنتهين ليس للمبتدئين في طلب العلم، يعني بعد أنْ يحكم الأصول والمختصرات، ويضبط كلام السلف، ينتقل بعدها إلى معرفة أقوال المردود عليهم من كتبهم؛ لأنّه لا يسوغ أنْ تقبَل ردًّا على مردودٍ عليه بعامة، دون أنْ تسمع أو تقرأ كلام المردود عليه إلاّ إذا كان الناقل له ثقة وهذا لا شك أنّه يكفي لكن قراءة الكتب التي منها أخذت الأقوال توضح لك المراد. فتجد مثلا أنّه يقال قال فلان كذا، ومذهب مثلا الأشاعرة في المسألة كذا، وإذا نظرت كتب القوم وجدت أنّ لهم تفصيلا، لم يحتج المؤلف إلى ذكره في هذا الموطن لكن القارئ فهمه على الإطلاق، فيحصل هناك لبس في فهم مذهب القوم، نعم نحن لا ندافع عن أهل البدع لكن الله جلّ وعلا أوجب علينا أنْ لا يجرمنّا شنئان قوم على ألا نعدل، كما قال سبحانه: {ولا يجرمنّكم شنئان قوم على أنْ لا تعدلوا}، والمتخلص من هواه يكون متخلصا منه في العلم أولى منه في الحُكْمِ وفي الرأي؛ لأنّ العلم يحتاج إلى تجرد ومن تجَرَّدَ في العلم أقبل على الله بقلبٍ سليم، فينظر مثلا في أقوالهم، في القول من حيث هو حتى إذا أتى من يردّ على من ردّ عليهم، فيقول لا هذا ليس في كتبنا، فتكون أنت عنده بالحجة الدامغة يعني من كان منتهيًا في طلب على العقيدة يقول لا مذكور في الكتاب الفلاني كذا وكذا، مثل المسألة التي كثيرا ما نمثل بها، مثلا، نقول: المتكلمون والأشاعرة والماتريدية إلى آخره يرون أنّ التوحيد الذي هو الغاية هو توحيد الربوبية، لا توحيد الإلهية، يعني من آمن بوجود الله جلّ وعلا وأنّه هو القادر على الاختراع وأنّه هو الخالق هذا يكفي في تحقيق (لا إله إلاّ الله)، فيأتي قائل، فيقول هذا ليس بصحيح، ليس عند علمائنا من الأشاعرة أو الماتريدية إلى آخره ليس عندنا هذا الكلام، وإنما أنتم ترددون كلامًا، تبعًا لعلمائكم لا تدرون معناه، فتقول له إنّ كتبكم المختصرة مثل ما في السنوسية المعروفة بأصول مذهب الأشاعرة أو عقيدة الأشاعرة، قال فيها ما نصه: ((فالإله هو المستغني عن ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه فمعنى (لا إله إلا الله) لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرًا إليه كل ما عداه، إلاّ الله))، فهنا تقوم أنت بالحجة الواضحة البينة، ثم الحظ أيضا أنك قد تنقل كلاما عن متقدم ردّ به على من تقدمه، ولكن يكون في المذهب عند المتأخرين غير ما ذكره الإمام الأول عمن تقدمه، فتكون أنت تقول كلاما يأتي صاحب المذهب المنحرف يقول: ليس عندنا كذا، وقد يشكك الناس ويرد، مثل ما حصل فعلا في عدد من المؤلفات الموجودة، فإذًا طلاب العلم المحققون الذين يزاولون التأليف بخاصة هذا لابدّ لهم أنْ يرجعوا إذا أرادوا أنْ يألفوا، وخاصة في الردود أنْ يرجعوا إلى أصول كتب الناس حتى يرووا الكلام فيها نصا حيث يكون مع ذلك القيام بالأمانة، ونقل الأقوال كما فيها، لكن أعود فأنبه أنّ هذا ليس إلاّ بعد الإحكام في الاعتقاد، لا يصلح الرجوع إلى كتبهم للمبتدئين ولا أوصيكم جيمعا بالرجوع إلى كتبهم لكن من أراد أنْ يردّ ردا صحيحًا أو

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير