[خواطر وجواهر من ابن الجوزي إلى طلاب العلم]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 08:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد:
فإن كتاب صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي درة غالية وكنز ثمين.
قد تقول: على رسلك فإنما هو خواطر وذكريات لا تستحق كل هذا؟!
فأقول ليس هو بخواطر بل هو خلاصة تجارب إمام بارع في كل الفنون, ومن تفئ ضلال هذا الكتاب علم صدق ما قلت.
ففيه من الجواهر والفرائد ما يستحق بها أن تعاد قراءته المرة تلو الأخرى.
لما كان الأمر كذلك أحببت أن أستخلص من الكتاب جواهر تختص بالعالم والمتعلم , والواقع أن كثيرا منها تعتبر قواعد منهجية يسير من خلالها طالب العلم
* استخلصت من الكتاب 14 خاطرة وجوهرة.
* اعتمدت في العزو على طبعة: دار الهدي النبوي ودار الفضيلة , بتحقيق: أبي أنس سيد بن رجب.
والله الموفق.
(أرجو عدم التعقيب قبل انتهاء الموضوع)
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 08:42 م]ـ
(1)
* فصل: [في علماء الدنيا و علماء الآخرة]
تأملت التحاسد بين العلماء، فرأيت منشأه من حب الدنيا، فإن علماء الآخرة يتوادون و لا يتحاسدون، كما قال عز و جل: (و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتو) ا.
و قال الله تعالى: (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا).
و قد كان أبو الدرداء: [يدعو كل ليلة لجماعة من إخوانه].
و قال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي: [أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر].
و الأمر الفارق بين الفئتين: أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها، و يحبون كثرة الجمع و الثناء. و علماء الآخرة، بمعزل من إيثار ذلك، و قد كانوا يتخوفونه، و يرحمون من بلي به.
و كان النخعي، لا يستند إلى سارية.
و قال علقمة: أكره أن يوطأ عقبي. و يقال" علقمة".
و كان بعضهم، إذا جلس إليه أكثر من أربعة، قام عنهم.
و كانوا يتدافعون الفتوى، و يحبون الخمول، ومثل القوم كمثل راكب البحر، و قد خب، فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة.
و إنما كان بعضهم يدعوا لبعض، و يستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا، فالأيام و الليالي مراحلهم إلى سفر الجنة. [41]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 08:52 م]ـ
{2}
* فصل: [العلم بالعمل]
لقيت مشايخ، أحوالهم مختلفة، في مقاديرهم في العلم.
و كان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه، و إن كان غيره أعلم منه.
و لقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون و يعرفون و لكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح و تعديل، و يأخذون على قراءة الحديث أجرة، و يسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه و إن وقع خطأ.
و لقيت عبد الوهاب الأنماطي، فكان على قانون السلف لم يسمع في مجلسه غيبة،و لا كان يطلب أجراً على سماع الحديث، و كنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقاق بكى و اتصل بكاؤه.
فكان ـ و أنا صغير السن حينئذ ـ يعمل بكاؤه في قلبي،و يبني قواعد.
و كان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل.
و لقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي، فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقناً محققاً.
و ربما سئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه، فيتوقف فيها حتى يتيقن.
و كان كثير الصوم و الصمت. فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما.
ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.
و رأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط و مزاح، فراحوا عن القلوب و بدد تفريطهم ما جمعوا من العلم. فقل الانتفاع بهم في حياتهم، و نسوا بعد مماتهم، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم.
فالله الله في العلم بالعمل، فإنه الأصل الأكبر.
و المسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاته لذات الدنيا و خيرات الآخرة فقدم مفلساً على قوة الحجة عليه. [188]
ـ[عبدالعزيز بن ابراهيم النجدي]ــــــــ[01 - 05 - 09, 08:56 م]ـ
{3}
* فصل [من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين]
أعظم دليل على فضيلة الشيء النظر إلى ثمرته. و من تأمل ثمرة الفقه علم أنه أفضل العلوم، فإن أرباب المذاهب فاقوا بالفقه على الخلائق أبداً، و إن كان في زمن أحدهم من هو أعلم منه بالقرآن أو بالحديث أو باللغة.
و اعتبر هذا بأهل زماننا، فإنك ترى الشاب يعرف مسائل الخلاف الظاهرة فيستغني و يعرف حكم الله تعالى في الحوادث ما لا يعرفه النحرير من باقي العلماء.
كم رأينا مبرزاً في علم القرآن أو في الحديث أو في التفسير أو في اللغة لا يعرف مع الشيخوخة معظم أحكام الشرع.
و ربما جهل علم ما ينويه في صلاته، على أنه ينبغي للفقيه ألا يكون أجنبياً عن باقي العلوم. فإنه لا يكون فقيهاً، بل يأخذ من كل علم بحظ ثم يتوفر على الفقه فإنه عز الدنيا و الآخرة. [210]
¥