والتكبير والتوبة والاستغفار، فحصل التوفيق بين الدنيا والآخرة، وإذا دخل وقت العبادة، كأوقات الصلوات، ترك ما كان فيه من الدنيا وقام إلى العبادة.
ولاشك أن الكثير قد طغوا وبغوا لما فتحت عليهم الدنيا، وتحقق قول الله تعالى: ((كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)) العلق:6 - 7، فيقال لهؤلاء: اربعوا على أنفسكم، اقنعوا من الدنيا بما تيسر، ولا تشغلكم دنياكم عن العمل للدار الآخرة، فإن من فعل ذلك أصبح عبدًا لدنياه.
فمن تزينت له الدنيا وأكب عليها وتمادى في الانشغال بها، فلابد أنه ينسى أو يتناسى نهايتها، مع أن ذلك واقع ومشاهد، فإن كثيرًا من أهل الدنيا قد جعلوها شغلهم الشاغل، وقطعوا في متابعتها أعمارهم، فجاءهم الأجل وهم غافلون عن الآخرة، فخرجوا من الدنيا مفاليس، لأنهم لم يتفكروا في نهاية الدنيا، وصدق عليهم قول الله تعالى: ((بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) الأعلى:16 - 17، مع ما يشاهدونه من تقلب الدنيا بأهلها، حيث يشاهدون بعض الناس ينشغلون بالدنيا، ويستكثرون من جمع الأموال من حلال أو حرام، ويتهالكون في حب المال، ويصدق عليهم قول الله تعالى: ((وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)) الفجر:20، وقوله تعالى: ((وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)) العاديات:8.
فتأتيهم الآجال وهم مفرطون، لم يقدموا لآخرتهم ما يكون سببًا في سعادتهم عند الله سبحانه وتعالى، ويشاهدون أيضًا من تبسط عليه الدنيا ثم تسلب منه بين عشية وضحاها، فيصبح غنيًا عنده الأموال الطائلة، ويمسي فقيرًا قد لا يجد قوت ليلته، مما يدل على تقلب الدنيا بأهلها، ولا يعتبر بذلك الآخرون الذين أنهكوا أبدانهم وشغلوا أعمالهم في جمع الحطام الفاني، وهم يعرفون أنهم سوف يفارقونه وينتفع به غيرهم، وقد يجمعونه من حرام أو من مشتبه، ويكون كما قال بعض السلف في الدنيا: (حلالها حساب، وحرامها عذاب)، بمعنى أنه يحاسب على المال، كما قال النبي ?: "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
فعليه أن يعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، ويتذكر قول بعض الواعظين فيمن جمع المال وخلفه:
سيأخذه الوارث من غير تعب ويسأل جامعه من أين اكتسب
فما اكتسب إلا الشوك له وللوارث الرطب
وقد وقعت وقائع كثيرة تدل على تغير الدنيا بأهلها وتقلبها بهم، حيث إنهم لما فتحت عليهم الدنيا طغوا وبغوا وتكبروا وتجبروا، وسول لهم الشيطان وأملى لهم، وزين لهم ما هم عليه من الاستمرار في الاستكثار من جمع المال من حل أو حرام، ثم أوقعهم ذلك في الانهماك في الشهوات والملذات، وتجاوز المباحات إلى المحرمات، فوقعوا في المسكرات والمخدرات، وخيل إليهم أن هذا من إعطاء النفس ما تتمناه وما تهواه أو تلتذ به، وجرهم ذلك إلى أن ثقلت عليهم الطاعات، فتركوا الصلوات، ومنعوا الواجبات، وتجاوزوا الشبهات إلى المحذورات، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم.
نسأل الله أن يغنينا بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه. والله تعالى أعلم.
قاله وأملاه
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
22/ 4/1429هـ
الرابط: http://ibn-jebreen.com/article2.php?id=40
ـ[منى ريمة]ــــــــ[04 - 05 - 09, 10:25 م]ـ
السلام عليكم
قال لنا الدكتور نور الدين عتر مرة أنه عندما كان طاباً في الأزهر - أي من نحو أكثر من ثلاثين عاماً- أنهم كانوا يعيبون على طالب العلم الشرعي الذي يجمع بين العمل وطلب العلم الشرعي، فالعلم الشرعي إن أعطيته كلك
أعطاك جزءاً وإن أعطيته جزءاً لم يعطك شيئاً.
أما بالنسبة لتجربتي فأنا موظفة وطالبة في قسم التفسير وعلوم القرآن وبعد التجربة أقول
معك حق يادكتور نور أطال الله في عمرك
ـ[أبو ذر المكي]ــــــــ[04 - 05 - 09, 11:30 م]ـ
جزاكما الله خيرا
وجهة نظري أن الناس طاقات مختلفة, فمن الناس من يستطيع الجمع, و بحسن ترتيب الوقت يستطيع أن يتعلم في الوقت القليل ما لا يتعلمه غيره من المتفرغين في الوقت الطويل, لأن مربط الفرس و الله أعلم في البركة في الوقت, فمن بارك الله له في وقته فلن يضره أن يعمل و يتعمل, و قد أدركت الكثير من المتفرغين لطلب العلم يقضون أوقاتهم بين القيل و القال و كثرة النوم و الأكل, فليس التفرغ بحد ذاته موصلا إلى العلم, بل الإخلاص, و المنهجية الصحيحية هما الذان يوصلان إلى العلم, و لو لم يكن للإنسان سوى ساعتين في اليوم أو ثلاثة و الله أعلم.
و العمل أيها الأخوة, و الكسب الحلال من عرق الجبين مهم جدا لطالب العلم, فكيف يقوم بواجباته نحو من يعول من أهله, و كيف يعين المحتاج, و كيف, و كيف؟ أنا لا أتكلم عن الركون إلى الدنيا, لكن أتكلم عن الموازنة, لأن فقدان هذه الموازنة أدى بكثير من طالب العلم إلى عدم الفقه بأمور الدنيا و الحياة و العمل, فهو لا يعدو من أن يكون بغبغاء يردد ما حفظ, و لا يحسن لذلك تطبيقا واقعيا معاصرا, إلا من رحم ربي, و قليل ما هم.
و الخلاصة: على الإنسان أن يعتدل في حياته, بين عمله و رزقه, و بين العلم بقدر ما يستطيع, أما من كُفي هم الرزق, فهذا عليه أن يحمد الله و يقبل على الله من باب العلم أو من غيره من أبواب العبادات, أما أن نقول لكل الناس اتركوا الدنيا و تعلموا فقط, فهذا فيه مفاسد كبيرة على الفرد و المجتمع, و الله أعلم
¥