تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يتم البارودي وهو في السابعة من عمره تلقى دروسه الأولى في البيت حتى بلغ الثانية عشرة، ثم التحق في المدرسة الحربية وتخرج فيها عام 1845م وهو في السادسة عشرة من عمره، ولسوء حظ الأدب وسوء حظه أن ولاية مصر قد آلت آنذاك إلى عباس الأول ثم إلى سعيد وكان عباس قد عدل (2) عن خطة محمد علي حين رأى الدولة العثمانية تنظر إلى الجيش المصري بعين الريبة والقلق لذا تعطلت النهضة التي كانت متصلة بالجيش في الصناعة والتعليم.

(وبعد مؤتمر لندن اصبح الجيش المصري مقصوص الأجنحة فلا يستطيع نهوضا)، (3) فكر البارودي بان يترك الجيش بل يترك الوطن ويذهب إلى الآستانة حاضرة الدولة الكبرى، لعلها تحقق له من المجد الساطع ما لم يحققه له الجيش، فالتحق بوزارة الخارجية، وفرحت ربة الشعر بهذا الجو الجديد الذي سيتيح له أن يدعم صلته بالآداب التركية، وكان قد ثقف منها شيئاً في المدرسة الحربية فإذا به يصحب الأتراك ويصحب أدباءهم في حياته الأدبية، فإذا له شعر ونثر تركيان.

على أن ربة الشعر قد عقدت صلة بينه وبين الآداب الفارسية فتعلم آدابها وأتقنها، ثم اخذ ينظم فيها مثلما ينظم في اللغة التركية، وكأنما أرادت ـ ربة الشعر ـ أن تهيء له الأسباب التي هيأتها للشعراء الفحول في أوائل العصر العباسي الذين قد بعثوا الشعر العربي بعثا جديداً، فلم يترك ديوانا لشعراء العرب الكبار ألا قراه، حفظ من هذه الدواوين الكثير، وملا حقائبه بتحفها النفيسة، يساعده طائفة من النساخ. (4)

كانت إقامة البارودي في الآستانة نعمة على شاعريته الخصبة، بما أستوعبه من الآداب التركية والفارسية والأدب العربي وبينما كان شاعرنا يفكر بالعودة إلى مصر، إذا بالخديوي إسماعيل يزور الآستانة ليشكر السلطان على تنصيبه واليا على مصر فالتحق البارودي بحاشية الوالي وعاد إلى مصر.

وبذلك يختم البارودي الدورة الأولى من حياته، ولم يلبث بعد وصوله مصر أن رقي إلى رتبة (مقدم) ثم عين قائدا لفرقتين من فرق الفرسان، وسرعان ما أوفد إلى فرنسا مع فرقة من الضباط ليشاهدوا الاستعراض العسكري السنوي للجيش الفرنسي، وعبر بحر المانش مع فرقة من الضباط إلى إنكلترا ليشاهدوا بعض من الأعمال العسكرية والآلات الحربية، وفي أثناء ذلك يجول بصره في المناظر الطبيعية المبثوثة في البلدين.

اندلعت ثورة ضد الدولة العثمانية في جزيرة (كريت) عام (1866م) وقرر البارودي أن يمدها بفرقة مصرية، توجه البارودي مع الفرقة وأبلى في حرب الثوار بلاء حسنا، وكافاته الدولة ببعض الأوسمة، وفي هذه الحرب نظم نونيته المشهورة:

أخَذَ الكَرَىَ بَمِعَاقِدِ الأجْفانِ وهَفا السُرَى بأعنة الفرسانِ

وفي الحرب الروسية التركية (كان البارودي من خير من رموا عن هذه القوس)، (5) وتضطرب أمور البلاد اضطراباً انتهى بمجيء الخديوي توفيق بدلاً عن أبيه إسماعيل، وتسقط وزارة وتحل مكانها أخرى، ويتنقل البارودي بين وزارتي الأوقاف والحربية ثم يثور الجيش بقيادة احمد عرابي يشاركه البارودي ومجموعة من الضباط الوطنيين.

وفي عام 1882م نفي إلي جزيرة (سرنديب) مع مجموعة من رفاقه الثوار اطل شاعرنا على ساحل مصر ليلقي عليه نظرة الوداع، وما تكاد الباخرة تغادر ارض النيل حتى ترتفع عواطف الشاعر الدافقة لتتحول إلى مشهد حزين ينتهي آلي تجربة صادقة تجسدها قصيدته النونية التي يبدؤها بقوله:

ولما وقفنا للوداع وأسبلت

أهبت بصبري أن يعود فعزّني

وما هي ألا خطرة ثم أقلعت

مدامعنا فوق الترائب كالمزنٍ

وناديت حلمي أن يثوب فلم يغن

بنا عن شطوط الحي أجنحة السفن (6)

التجديد في شعر البارودي:

نتناول ألان منزلة الشاعر في الأدب العربي وهل كان شاعرنا صدى للشعراء الذين تأثر بهم؟ أم انه استقل ورسم له طريقا خاصا وكوّن لنفسه شخصية أدبية تبقى خالدة؟

1_ الوصف: يعد الوصف جديداً لدى البارودي، وذلك لما بعث فيه من لمسات تعبر عن سعة ثقافته واستقلال منهجه حيث أفرد، للوصف قصائد مستقلة، ولم يأت به ـ أي الوصف ـ عرضا في ثنايا القصائد، لان شاعريته وحواسه المرهفة وتذوقه للجمال كانت تدفعه إلى قول الشعر ووصف مشاهداته لاكما هي في الطبيعة، ولكنه يخرجها ملونه بلباس جديد لتمثل شخصيته وشعوره وأفكاره. (7)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير