تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بعد هذا العرض استطعنا أن نحدد الجفوة بين الأميرين وانها حدثت قبل سجن أبي فراس وتطورت، فالعامل الثأري هو أقوى العوامل وأبرزها أثرا في شقة الخلاف، لأن أبا فراس كان يفكر في الثأر لأبيه، وكانت خشية سيف الدولة وناصر الدولة من أبي فراس من الأخذ بثأر أبيه مما لعب دوراً بارزاً في شقة الخلاف ... كما لعب العامل السياسي دورا لأن أبا فراس كان رجلاً طموحاً مزهواً بمواهبه وقدرته، ويسعى من جهة أخرى لتحصيل امارة مستقلة له، وظهر طموحه هذا بجلاء بعد وفاة سيف الدولة، ولا يقل العامل القبلي اهمية عن غيره، فقد كان جو الحمدانيين مشحوناً بالعداء والبغضاء، وكانت هناك أطراف أخرى تنمي هذة النوازع وتغذيها، بل كان لبغض الشخصيتين دور كبير في شقة الخلاف ممن يكرهون هذا وذاك.

بقيت مسألة في غاية الأهمية تتصل بقصيدة أبي فراس ((أراك عصي الدمع)) ... أكانت مشحونة بالرمز أم مفتقرة إليه؟، إذ ذهب بعض الباحثين إلى ((أنّ غزل هذه القصيدة رمزي يدور حول سيف الدولة)) ويرى آخر ((انّ أبا فراس يكنى بالحب والنسيب عن غيرهما من الموضوعات)) ويذهب آخر إلى أنه قد انفلتت من أبي فراس بعض أبياته من نسيبه القليل في قصائه الروميات تلمح فيها هذه الرمزية)) ويؤكد على قصيدته ((أراك عصي الدمع)).

واعترضنا أنّ ايراد الرمز في هذه القصيدة مجرد إدعاء لأن الباحثين الذين دافعوا عنه لا يملكون الادلة المقنعة في تأكيد الرمزية في القصيدة، والغرض منه التعريض بسيف الدولة، واذا كانت ظروف السجن هي التي اجبرت الشاعر على الرمز لكان من الطبيعي أن يستمر عليه، وليس من مبرر يدعو إلى هذه الرمز فلقد تهجم الشاعر على سيف الدولة بصراحة في رومياته بالذات فلماذا هذا الرمز؟ ولماذا يكون في المرأة؟.

ومن أمثلة التعريض بسيف الدولة قول الشاعر موجها كلامه إلى ابن عمه:

بمن يثق الانسان فيما ينوبه

ومن أين للحر الكريم صحاب

وقد صار هذا النّاس إلا أقلهم

ذئابا على أجسادهنّ ثياب

ويقول:

وربّ كلام مرّ فوق مسامعي

كما طنّ في لوح الهجير ذباب

الى الله اشكو، اننا بمنازل

تحم في آسادهنّ كلاب

وقد ذكرنا في ثنايا البحث بعضا من اساليب التعريض بسيف الدولة هذا من جهة، ومن جهة أخرى أنّ مظاهر الرمز في القصيدة لم تكن واضحة. بحيث تظهر مرة وتخفى مرة أخرى، وليس لها من شفيع إلا تأويلات متكلفة وهذا الظهور والاختفاء لاينهض دليلا كافيا لتبرير، ونسأل كيف استطاع الشاعر ان يجمع بين الغزل في حبيبته والرمز بسيف الدولة؟، ولو كان الأمر كذلك لاستقام الرمز أكثر من غيره، ثم كيف يستقيم الغزل وعرض العوطف من جهة وذم شخص آخر .. ولو ذهبنا كذلك لجردنا أبا فراس من عوطفه ومشاعره، ويدفعنا الأمر أن ننفى عنه الغزل، ولقد ذهب إلى هذا الرأي أحد الباحثين بقوله ((إنّ غزل أبي فراس ما يلفت انتباه الباحثين على أنه. غزل حقيقي))، والذي دعاه إلى هذا الحكم الخاطيء سيطرة الرمزية المتمحلة على ذهنه وتفكره ..

وحقيقة أخرى أنّ القصيدة تعبر عن عاطفة متأججة عرض فيها الشاعر موقف العاشق من المرأة، ثم عرض عميق لنفسية المرأة بدلالها وتجاهلها حبيبها وتناسيها الود، وهذه المحاورة بين الشاعر وحبيبته، وكيف يظهر الشاعر بتذلله لحبيبته، وليس طبيعيا أن يرمز الشاعر بسيف الدولة ويتذلل بمواقفه له ومثال ذلك:

فأيقنت أن لا عزة بعدي لعاشق

وأنّ يدي مما علقت صفر

ويذهب الشاعر بعد ذلك ليفخر بنفسه ليعبر عن نفسه العالية أمام حبيبته وليحقق غاية في ارضائها ..

وحقيقة أخرى، أننا لو اعتبرنا القصيدة رمز افقدناها أبرز خصائصها الفنية باعتبارها من روائع قصائد الغزل العربي، ونعمد إلى تقليل وتمزيق وحدتها العضوية التي تحطمت بين الرموز المشوهه والغزل المشوه بحجة الرمز. ولو جردنا أذهاننا من فكرة الرمز وقرأنا القصيدة لانجد فيها اضطرابا ونقف ازاء مشاعر انسانية عميقة تتلاطم فيها مشاعر الأديب بعرض فني عميق معبر عن تجربة انسانية خالدة بعيدة عن أساليب الرمز التي حاول بعض الباحثين فرضه عليها.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير