تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يتوفر لدينا ما يشير إلى سبب تسمية هذه الرسالة ولكن من المرجح أن تسميتها تشير إلى أهمية الحوار الذي نشأ بينه وبين الملائكة على سبيل الخيال ولعله قصد إلى هذه التسمية ليلفت النظر إلى الأفكار والآراء أو الخواطر التي نطق بها المعري على لسان الملائكة. وهنا تكمن البراعة وتتوهج اللمحة الأدبية الرفيعة وتتفق مع ما عرف من منهج المعري في رسالة الغفران. ولا يتوفر نص تاريخيّ حتى الآن يعيِّن الزمان والمكان اللذين كتبت فيهما هذه الرسالة غير أنه قد أُشير إلى المكان إشارة غير مباشرة بالنص حيث ألمع المعري بأن مسائل أبي القاسم وافته وهو مقيم في داره لا يريم كما قال "فأما أنا فحلس البيت إلا أكن الميت فشبيه بالميت".

أما الزمن فقد وقع خلاف فيه ما بين الأستاذ الميمني الراجاكوتي في كتابه عن أبي العلاء وبين المستشرق الروسي كراتشكوفسكي في مقدمته للرسالة التي طبعها عام 1932 فالأستاذ الميمني يذهب إلى أن الرسالة قد ألِّفت في عام 435 هـ تقريباً في حين يشير المستشرق الروسي إلى أنها ألفت في الزمن الذي ألفت فيه رسالة الغفران أي قبله بقليل. ولدى النظر في هذين الرأيين وفيما كتبته بنت الشاطئ عن رسالة الغفران وما يستدل عليه من الجو النفسي لنص رسالة الملائكة ونص رسالة الغفران يظهر أن هذه الرسالة قد كتبت تقريباً في الزمن الذي حدده الأستاذ الميمني أو بعده بقليل وليس في الزمن الذي حدده المستشرق الروسي. وإذا كان الزمن الذي كتبت فيه رسالة الغفران هو 424هـ (بنت الشاطئ – روح جديدة في رسالة الغفران) فإن تاريخ كتابة رسالة الملائكة هو ما قبل 424هـ حسب رأي كراتشكوفسكي. وما يتبدى من مقارنة النصوص غير ذلك. وآية ذلك تعود إلى ما نستشفه من النصوص المعبرة عن وضع أبي العلاء النفسي بسبب بلوغه سن الأشياخ وشعوره بنهاية المطاف مما جعله يعرض عن الأدب والأديب حيث يقول، فأما أنا فحلس البيت إلا أكن ميتاً فشبيهاً بالميت ولو أعرضت الأغربة عن النعيب إعراضي عن الأدب والأديب لا تحس نعيباً ولا يطلق هرمها زغيباً" (النعيب والزغيب بمعنى واحد) وفي مكان آخر من رسالة الملائكة يقول، وقد بلغت سن الأشياخ وما حار بيدي نفع" في حين لا نلمس مثل هذه الحالة في رسالة الغفران فرسالة الغفران تتسم بعواطف مشبوبة وتطلعات متوهجة وجولات حيوية هي أقرب إلى الشباب منها إلى عجز الشيخوخة.

قيمة الرسالة:

يرجع بعض الباحثين ومنهم الأستاذ محمد سليم الجندي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق (وهو الذي قام بتصحيح مطبوعة المجمع) إن قيمة هذه الرسالة تعود إلى المسائل الصرفية التي عالجها المعري فهي تمثل تمكنه من هذا العلم تمكناً نادراً وتفوقاً ذكياً في معالجة نوادره وشوارده ومعضلاته ولعل المسائل الصرفية وبراعة المعري في الإجابة عنها قد جعلت للرسالة طابعاً صرفياً وبخاصة بين القدماء والمحدثين ولم يلتفت أحد إلى الحوار الذي يعبر عن شخصية المؤلف وخصائص أسلوبه وعالمه النفسي ووضعه الفكري في مرحلة متأخرة من العمر. وقد نبخس المعري كثيراً إذا نظرنا إلى هذه الرسالة على أنها رسالة في الصرف ونظلمه أيما ظلم إذا اقتصرنا على طول باعه في هذا الجانب مغفلين أسلوبه الفني المتميّز وحالته النفسية وما يتردد في ذهنه من مرام فكرية أو أهداف اجتماعية. فقد ألَّف كثير من العلماء في الصرف وصدر كثير منهم عن معرفة كبيرة ودراية فائقة ولكنهم دخلوا في عداد العلماء ولم يسطعوا في سماء الفن كأدباء متميزين كما تأتى للمعري. سئل المعري عن مسائل صرفية معينة فكيف يجيب وهو ذلك الإنسان الفريد المتميز هل يجيب كما يجيب أي عالم وإذا أجاب إجابة علمية كغيره فماذا يصنع بما يخفق في قلبه ويشيع في نفسه ويتردد في عقله .. إن له نظراته ومشاعره التي تتحرك في رزون أعماقه وهي تتوثب إلى انبجاس وتدفق. والإنسان العبقري هو الذي يستخدم الفرص المتاحة للإفصاح عمّا يصبو إليه إفصاحاً مدهشاً لينشر درره المتوهجة وجواهره الفريدة ومراميه البعيدة.

المقدمة الحوارية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير