وقد كانت قراءته لهذه الصورة الشعرية من القراءات الماجدة لها وقد توافدت عليها القراءات من قبله ومن بعده فكان هو وابن جنى العليين فى ذلك.
وغير خفى أن تحليل "عبد القاهر" هذه الصورة الشعرية لم يكن مستقصيا كل مكوناتها ولم يكن مستخرجا كل مكنوناتها:
يكون بملكك أن تضيف إليه النظرفى اصطفاء (قضينا) على (فرغنا) وفي تقديم (من منى) على المفعول (كل حاجة) وفيما بين (من) و (منى) من إيقاع النغم والنظرفي اصطفاء (منى) من كل منازل ومشاعرالرحلةالقدسة وبملكك أن تضيف إليه النظر في تشديد الفعل (مسَّح) ودلالته،وزيادة (الباء) في (بالأركان) وعلاقتها بقول الله تعالى (وامسحوا برءوسكم)،وكذلك النظر في التعريف بالموصولية في (من هو ماسح) وفى تقديم (من منى) على المفعول (كل حاجة) وفيما بين (من) و (ومنى) من إيقاع النغم والنظر فى اصطفاء (منى) من كل منازل ومشاعر الرحلة المقدسة
ويملكك أن نضيف إليه النظر فى تشديد الفعل (مسح) ودلالته، وزيادة "الباء" فى (بالأركان) وعلاقتها بقوله تعالى (امسحوا برؤوسكم) وكذلك النظر فى التعريف بالموصوليه (من هو ماسح)
وإذا كانت قراءة ”عبد القاهر" البيت الثانى عجلى تشير إلى أنه وصل بذكر مسح الأركان ما وليه من زم الركاب وركوب الركبان، فإنك إن نظرت فى هذا البيت رأيت فيه مشهدا يرسم الصورة النفسية والحركية للركبان، وهو ذو منزلة عليا فى هذا جديرة بالاستشراف إلى تذوقها
ويزيده أن تبصر صيغة الفعل (شدت) وبناءه لغير الفاعل وتقديم الجار (على دهم المهارى) على المفعول (رحالنا) واصطفاء كلمة (رحالنا) وكلمة (دهم) وإضافة الصفة (دهم) إلى الموصوف (المهارى)
وأن تبصر دلالة قوله (ولم ينظر الغادى الذى هو رائح) على عظيم انشغالهم ومن وراء ذلك دلائل نفسيه عليه. واختيار كلمة الغادى والرائح والتعريف هنا بأل وهناك بالصلة
وكذلك النظر فى جمع الشاعر هذه الجمل الأربع (قضيا / مسح / شدت / لم ينطر) وعطفها "بالواو" خاصة ليجعلها جملة الشرط ثمَّ تأتى حملة الجواب فى البيت الثالث.
ولك أن تنظر فى اصطفاء الفعل (أخذ) ومقاربته بالفعل "قضينا" فى جملة الشرط، وفى هذه (الياء) فى (بأطراف) والفعل مما يعدى بنفسه أيضا فما الوجه الذى يحاول الشاعر بالعدول إلى هذه (الباء) وقد جعل لها نظيرا فى (مسح بالأركان)؟ وهل الأخذ بأطراف الأحاديث فى رحلة الإياب يعادل التمسيح بالأركان فى القيام بحق العبادة؟ هل هما من بابة واحدة؟ وأن تنظر فى دلالة اصطفاء قوله (الأحاديث) وقد عنى بذلك "إبن جنى" ولم يوفها "عبد القاهر" حقها ولعله اكتفى بمقالة "ابن جنى" فيها.
وأن تنظر فى عطف جملة (سالت) على (أخذنا) بالواو من دون (الفاء) وظاهرالنظرأن الثانية يمكن أن تكون مفرعة من الأولى.
وأن تنظر فى طى الشاعر الأحداث طيًّا حين جعل جملة (أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا) جوابا، وهذا الحدث لا يكون بمجرد الرحيل، بل حين يأخذ القوم كل مأخذ فيه، هذا الطى للأحداث ذو دلالة لطيفة على الواقع النفسى للركبان فى رواحهم إلى أهليهم من بعد الوفاء ببعض حق العبادة.
بملكك أن تقول مع الأمام "عبد القاهر" فى هذه الصورة الشعرية وقد أجاد وأحسن إحسانا ولكنه ليس الذى لم يترك لك ما يمكن أن تقوله بل كم ترك الإمام لنا أن نقول، وقد أغرانا بأن نقول وحضنا على أن نسافر فى مجاهل تلك الصورة الفنية.
عن كتاب"قطرات الندى"
معالم الطريق إلى فقه الشعر لمحمود توفيق محمد سعد
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[28 - 04 - 2009, 01:48 م]ـ
مازلت أمر على أبيات عذاب ومنها هذه التي تسحر الألباب لشاعر مفلق وهو ابن خلوف النحوي صاحب المعاني الدقيقة:
الصبر من خلق الرجال وطبعها = والحزن أكثر صابريه نساء
حتى إذا زرت هوادجهم ولي = في بعضها لو يعلمون شفاء
الشمس مشدود عليها معجر =والغصن مشتمل عليه رداء
تصبو الجمادات الموات لوجهها = طرباً فكيف النطق الأحياء
ساروا وقد بنت الأسنة حولها= سوراً يجاز بحده الجوزاء
من كل أروع كل ما في صدره = قلب وما في قلبه سوداء
غيران يضرب بالمهند كله = حتى يقال: له بهذا داء