ثم اختلفوا بعد اتفاقهم على وجوب العمل بما فيهما هل يقطع بكل ما فيهما سوى المنتقد وهل يفيد كل حديث فيهما سوى المنتقد اليقين والقطع النظري الاستدلالي كما ذهب إليه ابن الصلاح وتبعه ابن تيمية وابن كثير وابن حجر وغيرهم أم يفيد وجوب العمل به فقط دون اليقين به أو إفادة العلم كما ذهب إليه النووي ورجحه جماعة؟ مذهبان للعلماء.
وهذ البحث طويل اختصرته بهذه العجالة!!
على كلٍ أقول هذا لم يطعن به أحد من الأئمة وسنتكلم عليه ضمن الطرق الموجودة بين أيدينا بما يقر به المخالف!
ولكن هذا من باب مختلف الحديث ومشكل الآثار ويوجد من الأحاديث الصحيحة والآثار الثابتة التي يختلف فيها أهل العلم من هذا الباب الشيء الكثير حتى ألفت في ذلك أسفار ومجلدات كـ اختلاف الحديث للشافعي وبيان مشكل الآثار وشرح معاني الآثار للطحاوي وتهذيب الآثار للطبري وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة
بل إن كتاب الصحيح للبخاري ومسلم والكتب الستة وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان وكتاب السنن الكبرى للبيهقي كتب حافلة بمثل هذا فقد صنفت لتذب التعارض والفهم الخاطئ عن السنن والآثار
وقال ابن الصلاح: وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه الغواصون على المعاني الدقيقة
وقد أنكر الإمام ابن خزيمة أن يكون أي تعارض في الأحاديث فقال: لا أعرف أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان بإسنادين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما
وبما أن الأخ المنتقد يتكلم بكلام علمي فهذا يدل على أنه منصف وباحث جزاه الله خيراً فنقول: أما تخريجه للأحاديث فصحيح لا غبار عليه!
وأما نقله عن القاضي عياض رحمه الله: بأن أبا عيسى غير مشهور، واضطراب قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له. وأن في سند حديث أبي هريرة عمر بن حمزة ولا يحتمل منه مثل هذا لمخالفة غيره له، والصحيح أنه موقوف
أقول: ما هكذا يا سعد تورد الإبل فالاضطراب يزول بمثل هذا فالرواة أنفسهم يروون عن قتادة الطريقين معاً وقد جمع بينهما في إسناد واحد الطحاوي وغيره
ثم لم يعل أحد من الأئمة هذا الحديث بالاضطراب بل إذا روى الراوي الحديث على الوجهين عن شيخ كقتادة هنا، وكان قد روى عنه بعض الرواة وجها وبعضهم وجها مغايرا كما هو الحال هنا لزال الاضطراب بمجيئه عن أحد الرواة من الوجهين فكيف وأئمة الحفظ عن قتادة شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وهمام كل هؤلاء اتفقوا على ذلك؟!
فليراجع الأخ كلام الإمام البرديجي في ترتيب الرواة عن قتادة في شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي في الجزء الثاني في الرواة عن قتادة.
فذكره لطريق الأسواري تبعاً لرواية قتادة للطريقين لا للاحتجاج بها منفردة! وما يمنع قتادة على غزارة علمه وروايته أن يكون الحديث عنده على الوجهين جميعاً؟! وهذا كثير عند الأئمة كالزهري وقتادة والأعمش ومالك والسفيانين وشعبة وغيرهم رحمهم الله ..
وأما حديث أبي هريرة فقد اختلف على أبي هريرة في هذا الحديث وقد تحاشا مسلم إخراج الطرق التي قد تشكل عنه وإن أخرجها ابن حبان وصححها! وكأن أصح طريق عند مسلم عن أبي هريرة هذا الحديث على ضعفها فإن عمر بن حمزة ضعيف عند أهل العلم لكنه ذكره استشهادا لا أصلا، وهذا قد نص عليه مسلم في مقدمة صحيحه وأنه يذكر أولا أقوى الطرق في الباب ثم يتبعها من باب الاستشهاد والمتابعة بما دونها راجع مقدمته في صحيحه!!
هذا وقد قال النووي في "شرح صحيح مسلم"
هذه الأحاديث أشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى فيها دعاوى باطلة لا غرض لنا في ذكرها ولا وجه لإشاعة الأباطيل والغلطات في تفسير السنن بل نذكر الصواب ويشار إلى التحذير من الاغترار بما خالفه وليس فى هذه الأحاديث بحمد الله تعالى أشكال ولا فيها ضعف بل كلها صحيحة
والصواب فيها أن النهى فيها محمول على كراهة التنزيه
وأما شربه قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت التاريخ وأنى له بذلك والله أعلم فان قيل كيف يكون الشرب قائما مكروها
¥