و هنا نقول أن ما يبرهن على وجود المفهوم في الواقع الخارجي هو المدلول , فما يدل من الواقع على وجود فكرة هو مدلول هذه الفكرة و يمكن القول أن الدلالة تعني أن العلم بوجود شيء يستدعي استتباع العلم بوجود شيء أخر في الذهن ملازم له , و عليه فيقال أن الفكر هو مدلول الجملة اللغوية , و الجملة اللغوية فكرة و فهمها فكرة أخرى.
و بناء على ما تبين هنا نقول أن مطالعة كميات ضخمة من الكتب و البيانات لا تجعل من الشخص عالماً ناهيك عن كونه باحثاً (فحتى كلمة العلم تأتي بكلمة علامة أي دلالة إشارة رابطة للأفكار) , إذ يقتضي الأمر من العالم أن يكون مدركاً دلالات المعرفة وهذا ما يحتاج لتدبر و تفكير أما الباحث فعبؤه ثقيل فهو يقارب و يباعد و يقيس و يستجلب معلومات و يقصي أخرى.
الإدراك
و يتبين معنا أن الإدراك هو التوصل إلى فهم التمثيل الواقعي الذي تحمله هذه الأفكار كاللغة , حيث أن الفكرة قد تم تشكيلها سابقاً. و الإدراك يقوم على فهم الدلالة المعنوية في واقع الحال لتلك القوالب الحسية كدلالة الألفاظ اللغوية فهو المستوى التالي بعد المستوى الفكري , وحيث أعتبر سبق الفكر المسبق للأفكار التي تليه و بنائها عليه فأعتبر أن كل الفكر هو إدراك , وهنا أتعرض لمسألة انطلاق الأحكام الفكرية هل هي من الفكر أم من الواقع فقد صح أن الواقع ركن لكنه لولا تلك الأفكار المسبقة لما كان هناك من إدراك أبدا ً و عليه فالانطلاق يكون من الفكر لا من الواقع مع كل الاعتبار لشكل الفكر هذا الذي سيسند إليه الفهم و هي التي تعتبر حقاً أداة فهم وتمحيص الواقع بالشكل الحقيقي , وهل تلك الأدوات الفطرية يمكن تبينها هكذا , و أعتقد إن التجريد يفيد هنا مع مراعاة فصل تأثير الذاتية و الأنا و لكن ضعف القدرة على فصل الهوى والأماني وما للنفس من خصائص يجعل فصلها صعباًً و إذاً لا بد من مرجع مرشد أو معول عليه كهادي وسلطان نصير حتى يمكن الوصول للحكمة الحقة , (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56) سورة غافر.
و لاجرم أن يكون القرآن وهدي النبي الكريم هو السلطان والهادي والنصير.
"
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[26 May 2006, 10:29 م]ـ
لست من المؤيدين للتوسع في العقليات في منتدى علمي مختص بالبحث التاريخي واللغوي فقط، ولكن لأن الأخ كاتب المقال قد افتتح الموضوع معتمداً على مقال لم يأت البيوت من أبوابها فينقل العلم من مصادره الحقة، مع شكري له على نيته الصالحة في تقديم المفيد، ولكن تأصيل العقل لا يكون على نصّ أدبيٍّ بلاغيّ ولا لغة تعاليم أخلاقية، وليراجع هذا الرابط
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=5442
فإنّ فيه شرطاً للتأصيل الفلسفي، أساء من لا علم له به فهمَه فساء ظنّاً بكاتبه وناقله. وهذه حال كل العلوم فإنّ من جهِل شيئاً عاداه.
أما بشأن الموضوع فنقول:
الإيبستيمولوجيا علمٌ قائم بذاته له أصوله ومبادئه وأساطينه وليس في المكتبة العربية ما يُثلِج الصدر ويساهم في توضيح هذا المفهوم، وأحسبُ أنّ أفضل اثنين كتبا في فلسفة العلوم هما العراقيّ (ياسين خليل) رحمه الله، والمغربيّ (محمد عابد الجابريّ) أطال الله عمره بالإضافة إلى ما كتبه الإخوة في مصر مما لم يسعفني الحظ في استحسان ما أذكره. وهذا الثاني قد شكّل مدرسةً عربيةً لهذا النوع من العلم، ومن تلاميذه ومريديه الدكاترة سالم يفوت (مترجم كتب ميشيل فوكو) وعبدالسلام بنعبدالعالي (صاحب درس الايبستيمولوجيا) وسعيد بنسعيد. وإنه والحقُّ يقال فإنّ هذه المدرسة التي أسسها الجابري قد قدمت للعرب خدمة جليلة وسدّت القليل من الثغرة التي يصعب ردمها في حقل (العلوم العقلية) التي تشكو منها الجامعات العربية ضعفاً يوشك أن يفضحها.
¥