جازت المراهنة على آلات الجهاد، فهي في العلم أولى بالجواز، وهذا القول هو الراجح) انتهى.
وقال في موضع آخر من كتابه (وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل، لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد القوة للجهاد فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى.
وإلى هذا ذهب أصحاب أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية).
وفي الإنصاف من كتب الحنابلة: (والصراع، والسبق بالأقدام ونحوهما طاعة إذا قصد بهما نصر الإسلام، وأخذ العوض عليه أخذ بالحق. فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما يعين على الدين، كما في مراهنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. واختار هذا كله الشيخ تقي الدين -رحمه الله- وذكر أنه أحد الوجهين عندنا، معتمداً على ما ذكره ابن البنا، قال (ابن مفلح) في الفروع (فظاهره جواز المراهنة بعوض في باب العلم، لقيام الدين بالجهاد والعلم. وهذا ظاهر اختيار صاحب الفروع وهو حسن) انتهى. الإنصاف للمرداوي.
وفي تبيين الحقائق من كتب الحنفية (وعلى هذا: الفقهاء إذا تنازعوا في المسائل وشرط للمصيب منهم جعل جاز ذلك إذا لم يكن من الجانبين على ما ذكرنا في الخيل، لأن المعنى يجمع الكل، إذ التعليم في البابين يرجع إلى تقوية الدين وإعلاء كلمة الله.)
والحاصل أنه يدل على الجواز أمران:
رهان أبي بكر رضي الله عنه، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم.، وقياس السباق في المسائل العلمية على ما نص عليه في السباق في الخيل والإبل والسهام. والجامع في ذلك: تقوية الدين وإعلاء كلمة الله ولم يكن ذلك مخصوصا بدار الإسلام، بل تلك قضية عامة دار الإسلام ودار الكفر فيها سواء.
• وأما الاستدلال بما روي من أن العباس كان يتعامل بالربا في مكة قبل الفتح وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن ذلك، إلا بعد الفتح فدل على جواز الربا في دار الحرب، فهو موضع نظر، لأن العباس رضي الله عنه كان له ربا في الجاهلية من قبل إسلامه، فيحتمل انصراف الوضع إليه، هذا بالإضافة إلى أن الربا لم يكن تحريمه قد استقر يومئذ.
ثانيا: أدلة النظر والاعتبار
إن مأخذ الأحناف فيما ذهبوا إليه مبني - كما سبق - على اعتبار أموال الحربيين على أصل الحل فكيفما تيسر للمسلم أن ينال شيئا منها بأي طريق لا يتضمن غدرا بهم ولا احتيالا عليهم فهو مشروع، ويكون شأنه في ذلك كمن يأخذ الكلأ من الغابات أو الماء من المحيطات!
فإن الأموال كما تعصم بالإيمان تعصم بالأمان، ولا يلزم من جواز أخذ أموالهم بالاغتنام جواز أخذها بالعقود الفاسدة، فكما عصم الأمان أمواله في دار الإسلام عصمها في دار الكفر، أو هو التناقض الذي لا مهرب منه!
ومن ناحية أخرى هل يوافق أحد ممن يقولون بهذا المذهب اليوم على هذا التخريج بدءا من اعتبار ديار الغرب جميعا ديار حرب وانتهاء من الحكم على أموال أهلها جميعا بالحل اتباعا لما قاله السادة الأحناف؟! الظاهر خلاف ذلك، ولعل هذا يفسر حرص كل من جاهر بتبني هذا المذهب من المعاصرين على تحاشي ذكر دار الحرب في فتواهم صراحة رغم أن هذا هو منصوص الأحناف في هذه المسألة، واكتفوا بالإشارة إليها بأنها ديار غير المسلمين!
مآلات ولوازم مروعة تنقض بها عرى المحرمات عروة عروة!!
وبعد فإن في ما يتضمنه مذهب الأحناف في هذه القضية من الأحكام واللوازم الفاسدة ما تنقض به عرى المحرمات عروة عروة، والتي لا يقول بها من تبنى مذهبهم في هذه النازلة من المعاصرين. من ذلك على سبيل المثال:
• جواز التعامل بالربا مع من أسلموا في دار الحرب ولم يهاجروا، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الحربيين، فقد جاء في الدر المختار: "وحكم من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر كحربي، فللمسلم الربا معه خلافاً لهم، لأن ماله غير معصوم فلو هاجر إلينا ثم عاد إليهم فلا ربا اتفاقاً".
¥