تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي بدائع الصنائع للكاساني عند حديثه عن شرائط جريان الربا "ومنها: أن يكون البدلان متقومين شرعاً، وهو أن يكونا مضمونين حقاً للعبد، فإن كان أحدهما غير مضمون حقاً للعبد لا يجري فيه الربا، وعلى هذا الأصل يخرج ما إذا دخل المسلم دار الحرب، فبايع رجلاً أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا درهماً بدرهمين، أو غير ذلك من البيوع الفاسدة في دار الإسلام، أنه يجوز عند أبي حنيفة، وعندهما لا يجوز، لأن العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده"، فهل يلتزم بذلك من تبنى مذهبهم في هذه النازلة، فيحل للمسلمين الوافدين أن يتعاملوا بالربا - إذا كانت الزيادة لهم - وغيره من العقود الفاسدة مع إخوانهم من المسلمين الجدد في هذه المجتمعات؟!.

• ومن ذلك أيضاً ما يتضمنه مذهبهم من جواز تعامل المسلمين الجدد في هذه البلاد بالربا أخذاً وإعطاءً ما داموا لم يهاجروا، سواء أكان ذلك مع نظرائهم من المسلمين الجدد أم مع بقية الحربيين، وذلك لارتباط العصمة عندهم بالدار ابتداء وقد أشار إلى ذلك ابن عابدين في الحاشية في قوله: "يعلم مما ذكره المصنف مع تعليله أن من أسلما ثمة ولم يهاجرا لا يتحقق الربا بينهما أيضاً". ولا يخفى أن الهجرة لا سبيل إليها في هذه الأيام في الأعم الأغلب فيتدينون طيلة حياتهم بدين لا أثر فيه لحرمة الربا؟!.

فهذه هي جملة أدلة الأحناف وما ذهبوا إليه، وقد رأينا ما فيها من ضعف، الأمر الذي لا يصح معه تقييد النصوص الجليلة القاطعة الواردة في تحريم هذه الفواحش بمثل هذه الاحتمالات الضعيفة، ومن أجل هذا لم تقبل بقية المذاهب المتبوعة رأي الأحناف في هذه المسألة، بل رده أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة رحمهما الله" اهـ

كيف يتأتى القيام بواجب البلاغ في هذه المجتمعات مع تبني هذا المذهب؟

لا يخفى أن للمسلم المغترب خارج ديار الإسلام رسالة سامية تتمثل في حفظ الإسلام على أهله ودعوة غير المسلمين على الإسلام، وحفظ الإسلام على أهله يقتضي دعوتهم إلى الاستقامة على هدي الكتاب والسنة، واجتناب ما خالفهما من أهواء البشر، ولا مقابل لما أوحى الله إلى رسوله إلا الهوى كما قال تعالى: [فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله]

كما أن دعوة غير المسلمين إلى الإسلام تكون بلسان الحال كما تكون بلسان المقال، فحال واحد في ألف واحد خير من مقالة ألف واحد في واحد! ولا شيء يحمل الناس على الإصغاء لدعوة الحق في هذه المجتمعات مثل أن يكون الدعاة إليه والمتبعون له ممن يقيمونه في حياتهم، فيحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولقد مضى على إقامتنا في هذه المجتمعات أكثر من خمسة عشر عاما وكل يوم ينقضي يزيدنا إيمانا بهذه الحقيقة، فلم نمل من تكرارها على مسامع الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب: أقيموا الإسلام في نفوسكم تفتح له أسماع الآخرين وأفئدتهم، وإن من آكد وسائل البلاغ في هذا المجتمع إقامة جالية مسلمة قوية تحل الحلال وتحرم الحرام وتقف حيث أوقفها الله ورسوله، وتقدم للناس في هذه المجتمعات شهادة الواقع بعد شهادة النصوص والأدلة أن الحياة في رحاب الإسلام نعمة لا تعدلها نعمة، وأنها ممكنة وليست ضربا من الخيال أو ضغثا من الأحلام! ولا يخفى أن انتشار الإسلام في كثير من بقاع العالم كان من خلال التجار الدعاة الذين حملوا أخلاق الإسلام إلى هذه المجتمعات ففتحوا بها قلوبهم واستنارت بها بصائرهم واستجابت لدعوة الحق.

هذا وإن المحافظة على الهوية الإسلامية في هذه المجتمعات تتمثل في الاجتماع على الإسلام بإقامة الشعائر واجتناب المحرمات، مع اعتبار الضرورات على أن تقدر بقدرها ويسعى في إزالتها.

فكيف يتأتى دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أو حتى تعريفهم به في ظل جالية يتملك المسلمون فيها محلات لبيع الخمور والخنزير ويسهمون في إشاعتها في هذه المجتمعات، ثم يقولون للناس إننا أتباع دين يحل لأتباعه الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وإنه يحرم عليهم الاتجار في الميتة والخمر ولحم الخنزير، وينهى عن الزنى والربا وأكل أموال الناس بالباطل؟ أيا كانت المرتكزات الفقهية لهذا الترخص وأيا كان حظ القائمين عليه من النظر؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير