ـ[سيف بن علي العصري]ــــــــ[27 Jun 2006, 08:17 م]ـ
المقدمة الثالثة: الفرق بين التمذهب والتعصب.
التمذهب هو أن يقلد العامي مذهبَ إمامٍ مجتهدٍ، سواء التزم مذهب إمام واحدٍ، أم تنقل بين المذاهب.
والمقصود بالعامي في كلامنا السابق، كل من لم يبلغ درجة الاجتهاد، وهذا هو مصطلح الأصوليين، فهم يطلقون العامي على غير المجتهد.
وعليه فقد يكون العامي ممن له اشتغال بالفقه، أو بعلوم اللغة، أو له اشتغال بطلب الحديث وتعلم أسانيده، وحفظها، ومعرفة الرجال، وغير ذلك، ولكنه لم يبلغ درجة الاجتهاد والنظر في نصوص الشرع، فهو في اصطلاح الفقهاء والأصوليين عاميٌّ، فلا يقبل قوله في الفقهِ، وتخريجِ الأحكامِ.
قال الإمام السرخسي الحنفي في كتاب الأصول (1/ 312): وكذلك من يكون محدثاً لا بصر له في وجوه الرأي، وطرق المقاييس الشرعية، لا يعتد بقوله في الإجماع، لأن هذا فيما يبني عليه حكمَ الشرعِ بمنزلةِ العاميِّ، ولا يُعتدُّ بقول العامي في إجماع علماء العصر، لأنه لا هداية له في الحكم المُحْتَاجِ إلى معرفته. اهـ
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 251): والمراد بالعامي في عرف الأصوليين غير المجتهد المطلق، فالمقلدون كلهم عوام عندهم، وإن جلت مراتبهم وفي عرف الفقهاء من يعرف الظاهر من الأحكام الغالبة بين الناس دون الأحكام الخفية ودقائقها والأحكام النادرة. اهـ
تعريف المذهب لغةً واصطلاحاً:المذهب لغة: اسم لمكان الذهاب.
واصطلاحاً: حقيقة عرفية تطلق على الأحكام التي استخرجها إمام مجتهدٌ أو خرجت على قواعده وأصوله من قِبَلِ أصحابه المجتهدين التابعين لأصوله في التخريج.
والتمذهب بهذا المعنى، جادةٌ مسلوكةٌ، وطريقٌ سابلةٌ، سار عليها العلماء، من المحدثين والفقهاء والمفسرين واللغويين، ولم ينكرها أحدٌ ممن يعتد به، فتجد العلماء كلٌ يعمل بالمذهب الذي ارتضاه لنفسه، ويفتي به الناس ويقضي.
قال العلامة محمد الخضر الشنقيطي في "قمع أهل الزيغ والإلحاد عن الطعن في تقليد أئمة الاجتهاد"
(ص75): وأما وجوب التقليد من العامي للعالم فعليه الكتاب والسنة، وإجماع أهل القرون الثلاثة المشهود لهم من الصادق المصدوق بالخيرية، وإجماع من بعدهم، إلا ما شذَّ من خلاف معتزلة بغداد. اهـ
وقد كان التقليد معروفاً في زمن الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولم ينكره أحدُ منهم، فهذا الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني يذكر لنا في الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 148) عن طاووس رحمه الله أنه قال: رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا تدارءوا في أمرٍ صاروا إلى قول بن عباس رضي الله عنه.
فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إلى تقليد ابن عباس فيما لا يعلمونه من أحكام الشرع.
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون على مائة ألف، بينما (الذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ونيف وثلاثون نفسا) كما ذكر ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 10).
وهذا إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، يقلِّدُ الشافعيَ رحمه الله، أورد ذلك الإمام ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 351)، والحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب (9/ 25) عن حميد بن أحمد البصري، قال: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة. فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله لا يصح فيه حديث، فقال: إن لم يصح فيه حديث، ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه.
وعلى هذا المنوال سار العلماء قاطبة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وليس في هذا ما ينكر، وإليك نبذاً من ذلك.
من أعلام المذهب الحنفي:وقد كان العلماء صغارهم وكبارهم متمذهبين بمذاهب أهل السنة التي حفظت، فالإمام أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني وعبد الله بن المبارك وزفر والطحاوي والسرخسي والنسفي و أحمد بن محمد البخاري والزيلعي وابن الهمام وابن نجيم وابن عابدين وألوفٌ غيرهم ممن ضمتهم كتب التراجم الخاصة بطبقات الحنفية، ومعظم علماء بلاد الهند والسند وأفغانستان وبلاد الشام على مذهب الإمام أبي حنيفة.
من أعلام المذهب المالكي:
¥