تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

واقعدوا له بطريق الحج، فقولوا: طريقة مخوفة مشقة، يتعرض سالكها لتلف النفس والمال، وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير عنها وذكر صعوبتها وآفاتها.

ثم اقعدوا لهم على طرق المعاصي فحسنوها في أعين بني آدم، وزينوها في قلوبهم واجعلوا أكثر أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن ادخلوا عليهم فنعم العون هن لكم.

ثم الزموا ثغر اليدين والرجلين، فامنعوها أن تبطش بما يضركم وتمشي فيه.

واعلموا أن أكبر أعوانكم على لزوم الثغور مصالحة النفس الأمّارة فأعينوها واستعينوا بها، وأمدوها واستمدوا منها، وكونوا معها على حرب النفس المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وإبطال قواها ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع موادها عنها.

فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمّارة، وانطاعت لكم أعوانها فاستنزلوا القلب من حصنه، واعزلوه عن مملكته، وولوا مكانه النفس الأمّارة، فإنها لا تأمر إلا بما ترونه وتحبونه، ولا تجيئكم بما تكرهونه البتة، مع أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها، بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت إلى فعله.

فإن أحسستم من القلب منازعة إلى مملكته، وأردتم الأمن من ذلك فاعقدوا بينه وبين النفس عقد النكاح، فزينوها وجملوها وأروها إياه في أحسن صورة عروس توجد، وقولوا له: ذق طعم هذا الوصال وتمتع بهذه العروس، كما ذقت طعم الحرب وباشرت مرارة الطعن والضرب.

ثم وازن بين لذة هذه المسألة ومرارة تلك المحاربة، فدع الحرب تضع أوزارها، فليست بيوم وتنقضي، وإنما هو حرب متصل بالموت، وقواك تضعف عن حرب دائم.

واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:

أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة بكل طريق، فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك، فإن القلب إذا غفل عن الله تعالى تمكنتم منه ومن إغوائه.

والثاني: جند الشهوات، فزينوها في قلوبهم، وحسنوها في أعينهم، وصولوا عليهم بهذين العسكرين، فليس لكم من بني آدم أبلغ منهما، واستعينوا على الغفلة بالشهوات، وعلى الشهوات بالغفلة، واقرنوا بين الغافلين.

ثم استعينوا بهما على الذاكر، ولا يغلب واحدٌ خمسة، فإن مع كل واحد من الغافلين شياطين صاروا أربعة، وشيطان الذاكر معهم، وإذا رأيتم جماعة مجتمعين على ما يضركم - من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم تقدروا على تفريقهم - فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البطالين، فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم بهم.

وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها، وادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا أعواناً له على تحصيلها، وإذا كان الله قد أمرهم أن يصبروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا أنتم وصابروا ورابطوا عليهم بالثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.

واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور، فخذوا عليه طريق الشهوة، ودعوا طريق الغضب، ومنهم من يكون سلطان الغضب عليه أغلب، فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه، ولا تعطلوا ثغرها، فإن من لم يملك نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة، فزوجوا بين غضبه وشهوته وامزجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، وإلى الغضب من طريق الشهوة.

واعلموا أنه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين، وإنما أخرجت أبويهم من الجنة بالشهوة، وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه قطعت أرحامهم وسفكت دماؤهم وبه قتل أحد ابني آدم أخاه، واعلموا أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم، والشهوة نارٌ تثور من قلبه وإنما تطفأ النار بالماء والصلاة والذكر والتكبير.

فإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فإن ذلك يطفىء عنهم نار الغضب والشهوة، وقد أمرهم نبيهم بذلك فقال إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتهم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بذلك فليتوضأ، وقال لهم إنما تطفأ النار بالماء وقد أوصاهم أن يستعينوا عليكم بالصبر والصلاة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير