قد يقول قائل:إن سبب القسم الأول هو الاختلاف العقدي، فأقول:لا،ليس ذلك،وإلا لما اختلف السيوطي والسخاوي وغيرهما ممن يجمعهما المعتقد الواحد 0
إذن ما هو السبب يا ترى:
أجيب جواباً ولا أجزم بصحته مع اعتقادي بأن له وجهاً من الصواب وهو:المشرب الأدبي للمتناظرين،فكل ما كانا ممن يتعاطى الأدب وروحه كانا أكثر "سماحة" و"سهولة" في التناظر وفي حكم أحدهما على الآخر، لأننا في "دين الأدب " لا نجد المصطلحات " الشرعية " "بدعة وضلالا وكفراً 000الخ والله أعلم 0
قال القاضي ابن خلكان رحمه الله:
"اجتمع يوماً هو – أبو بكر بن داود –وأبو العباس بن سريج في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظرا في "الإيلاء" فقال ابن سريج:"أنت في بقولك:من كثرت لحظاته دامت حسراته،أبصر منك بالكلام في "الإيلاء"،فقال له أبو بكر: لئن قلت ذلك فإنني أقول:
أنزه في روض المحاسن مقلتي 0 0وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لوانه 000يصَبّ على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري 0فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم 000فما إن أرى حباً صحيحا مسلما
فقال له ابن سريج: وبم تفخر علي ولو شئت أنا لقلت:
ومساهر بالغنج من لحظاته 000قد بتّ أمنعه لذيذ سناته
ضنا بحسن حديثه وعتابه 000وأكرر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده000ولى بخاتم ربه و براته
فقال أبو بكر: يحفظ الوزير عليه ذلك حتى يقيم شاهدي عدل أنه "ولى بخاتم ربه"،فقال أبو العباس ابن سريج: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي 00وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما "ظرفاً" و"لطفاً" و"فهماً" و"علماً"0
وفيات الأعيان:4/ 260
والقصة القادمة قصة القاضي عبد الوهاب رحمه الله،وأقول من الآن:قد لا تصلح " للمتنطعين " الذين يقيسون الأدب والشعر بمقياس غير مقياسه،ومنهم الذين يرون كما قال بعض المشايخ المعاصرين أن "الأسنان "عورة" 0
والله من وراء القصد0
ـ[معروفي]ــــــــ[27 Dec 2006, 07:25 ص]ـ
جزاكم الله تعالى خيراً على هذه المشاركات الطيبة و الأخلاق الرفيعة.
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[27 Dec 2006, 10:12 ص]ـ
قول الكاتب: (امرأة" معها "رجل ":مفتوحة،،وليس معها:مقفولة"وافتحوا المصحف:"امرأت نوح" و"امرأت لوط"وهكذا،أما "وامرأة إن وهبت " فهي "مقفولة)
هذا كلام غير لائق ممن ينتسب إلى العلم وكذلك غير لائق في هذا المقام ولا في غيره ولا يخفى على الكاتب العزيز بأن هذا الملتقى هو محل لقاء لأهل العلم وغيرهم وينزه عن مثل هذه العبارات التي لا تليق، وهذه العبارات ليست من الطرائف والفكاهة التي تنقل للناس لأنها تنافي الحياء الشرعي، فالواجب على المسلم أن يتقيد بالضوابط الشرعية في كل شيء سواء طرائف أو غير طرائف ولا ينقل للقراء إلا ما كان نافعاً أو لائقاً،فكان الواجب عليه أيضاً أن يعرف التعريف الشرعي مثل القول بأن تاء امرأة يفتح إذا أضيفت المرأة نحو امرأت نوح، امرأت لوط، امرأت فرعون ونحو ذلك من العبارات اللائقة، قال النووي قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيي من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة فيكنى عن جماع المرأة بالإفضاء والدخول والمعاشرة والوقاع ونحوها ولا يصرح. الأذكار للنووي ص300. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وقال: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء، وقال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت، وقال:" ان الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا " وقال: " قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه ما ينقلب إلى أهله منها بشيء نزل بها أبعد من السماء إلى الأرض " وقال عبد الله بن مسعود: " والله ان الرجل ليتكلم بكلمة في الرفاهية يضحك بها جلساءه فترديه ابعد ما بين السماء والأرض" ولا شك أن المزاح منه ما هو مباح ولكن لا بد أن يكون منضبط بالضوابط الشرعية، قال العلماء إن الاشتغال باللعب مباح ولكن المواظبة عليه مذمومة وأما الإفراط فيه فإنه يورث كثرة الضحك وكثرة الضحك تميت القلب وتورث الضغينة في بعض الأحوال وتسقط المهابة والوقار، وقال ابن الجوزي إن نفوس العلماء تسرح في مباح اللهو الذي يكسبها نشاطاً للجد فكأنها من الجد لم تزل " قال أبو فراس: " أروح القلب ببعض الهزل تجاهلاً منى بغير جهل أمزح فيه مزح أهل الفضل والمزح أحيانا جلاء العقل " وقال عمر رضي الله عنه: " من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزج استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه " وقال عمر بن عبد العزيز:" اتقوا الله وإياكم والمزاح فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح تحدثوا بالقرآن وتجالسوا به فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال " وقال محمد بن المنكدر: قالت لي أمي يا بني لا تمازح الصبيان فتهون عندهم وقال سعيد بن العاص لابنه يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فيجترئ عليك " وقال عمر بن الخطاب: "أتدرون لما سمي المزاح مزاحاً قالوا لا قال لأنه أزاح صاحبه عن الحق وقيل لكل شيء بذور وبذور العداوة المزاح ويقال المزاح مسلبة للنهي مقطعة للأصدقاء " قال ابن قدامة من الأمور التي ترد بها الشهادة أن يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته أو جاريته أو غيرهما بحضرة الناس بالخطاب الفاحش أو يحدث الناس بمباضعته أهله ونحو هذا من الأفعال الدنيئة ففاعل هذا لا تقبل شهادته لأن هذا سخف ودناءة فمن رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة فلا تحصل الثقة بقوله لأن من فعل ذلك لا يمتنع غالباً من الكذب ونحوه.
. المغني لابن قدامة 10/ 170، وانظر: شرح الزركشي 3/ 400.
¥