تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن السنة حديث معاذ t أن رسول الله e لما أراد أن يبعثه إلى اليمن قال: (كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟) قال: أقضي بكتاب الله، قال: (فإن لم تجد في كتاب الله؟) قال: فبسنة رسول الله e قال: (فإن لم تجد في سنة رسول الله e ولا في كتاب الله؟) قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله e صدره وقال: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله) ([ xxxi]).

وإذا كانت هذه النصوص تدل على فرضية الاجتهاد فإنها ليست مقيدة بأحكام الفقه دون أحكام العقيدة لأن النصوص الشرعية تأتي بالحكم الفقهي والاعتقادي؛ فيجوز الاجتهاد فيهما والتفريق بين هذه الأحكام لم يحدث إلا في العصور المتأخرة من باب التبويب والتقسيم، وإلا فإن الفقهاء كانوا فقهاء الفقه الأكبر وفقه الفروع، كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حنيفة عندما قال في تعريف الفقه: "الفقه هو ما يجب على النفس من معرفة، فإذا كان في الأصول كان الفقه الأكبر، وإذا كان في الفروع كان معرفة الأحكام العملية التفصيلية" ([ xxxii]). ويسوي ابن تيمية بين الاجتهاد في مسائل الفقه والعقيدة حيث يعطي نفس الحكم لهما بقوله: "وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك هو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ، ويكون المخطئ باغياً، وفيه الباغي من غير اجتهاد، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر" ([ xxxiii]).

ومن هنا وجدنا الاجتهاد في مسائل الاعتقاد منذ عهد الصحابة y إلى يومنا هذا.

ثانياً: حكم الاجتهاد في فروع الاعتقاد.

إذ تبين من الفقرة السابقة أن الاجتهاد في النصوص الشرعية لاستخراج الحكم هو فرض كفاية، إلا أن طبيعة النصوص مختلفة، فهناك نصوص لا يمكن الاجتهاد والاختلاف فيها، حيث أنها قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وهي المسائل الثابتة التي لا تتغير ولا مجال فيها للتفسير أو التأويل أو المعارضة، أو المخالفة، لكون دلالتها على الأحكام قطعية، مثل المسائل العقائدية الأصلية المتعلقة بأصل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ وأن القرآن حق، ومنزل من عند الله عز وجل، وأن الرسول e أُرسل للناس كافة، وهي الأحكام الاعتقادية الكلية التي لم يخالف فيها أحد من المسلمين، وكذلك كل ما علم من الدين بالضرورة ([ xxxiv]) وكقطعية بعث الرسل بالنسبة للأحكام العقدية، وكقطعية تحريم الأمهات في قوله تعالى:) حرمت عليكم أمهاتكم ((23: النساء) بالنسبة للأحكام العملية، ولذلك لم تكن محلا للاجتهاد، وهي محل اتفاق الأمّة سابقها ولاحقها، متقدّمها ومتأخرها.

وهناك نوع آخر من النصوص الشرعية يمكن أن يدخلها التأويل والمعارضة أو المخالفة لكونها ظنيّة الثبوت والدلالة، أو قد تكون ظنيّة الثبوت قطعية الدلالة، أو قطعية الثبوت ظنيّة الدلالة ([ xxxv]).

- ومنها: بعض المسائل الاعتقادية الفروعية، وبعض النظريات الكلامية التي اختلف فيها العلماء، وجرت بينهم فيها مناظرات ومناقشات عائدة لظنية الأدلة الدالة على هذا الحكم العقدي ([ xxxvi]).

وهذه الأحكام يكون فيها مجال للاجتهاد للوصول إلى الرأي الصائب، أو القريب من الصواب، ومعلوم أن هذه الأحكام هي الأحكام الاعتقادية الفرعية، والأحكام العملية الظنية.

وهذا النوع من الأحكام يتجاذبه جملة من القواعد والمبادئ المتصلة بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها اعتقادية أو عملية، ([ xxxvii]).

و يؤكد الشاطبي ما سبق بقوله: " فان الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للانظارومجالا للظنون وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([ xxxviii]). ويظهر من النص أن النظربات يقصد بها المعتقدات وانه يصح الخلاف في فروع الاعتقاد دون الأصول.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير