قال الحافظ ابن حجر: "وطريق الجمع: أن الدَّجّال أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العامّة في الأرض أي: فلا ينافي تقدّم المهدي عليه. قال: "وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم عليه السّلام ومن بعد القحطاني وغيره، وإن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام السّاعة أي: والدابة معها فهي والشمس كشيء واحد، وإن النار أول الآيات المؤذنة بقيام الساعة" انتهى ([ lxxxvi]).
وهذا جمع حسن له رحمه الله تعالى، ويدل على ذلك ما في بعض الروايات: "وآخر ذلك – يعني الآيات- نار تحشر الناس إلى محشرهم" ([ lxxxvii]).
وروى نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال: "أول الآيات الروم، ثم الدجال، والثالثة يأجوج ومأجوج، والرابعة عيسى بن مريم، والخامسة الدخان، والسادسة الدابة" ([ lxxxviii]).
أي: وكون عيسى عليه السلام رابعًا باعتبار تأخره عن يأجوج ومأجوج، وإن كان باعتبار وقت نزوله مقدما عليهما، فهو باعتبار ثالث، وباعتبار أخر رابع.
والخامسة: الدخان – وقد سبق بيانه– والسادسة: الدابة أي وعده هذا باعتبار الآيات الأرضية ومن ثم لم يعد طلوع الشمس فهو أيضا يؤيد ما ذكره الحافظ لكن لو قال: وينتهي ذلك بخروج الدابة بدل قوله: بموت عيسى عليه السلام لكان أولى وأوضح وكون الروم أولا حقيقي وكون الدَّجّال أولا إضافي لأنه أعظم من الروم وكان الروم بالنظر إليه ليس بشيء" ([ lxxxix]).
والاختلاف في أول العلامات ظهوراً وفي ترتيب تلك العلامات، مرده إلى تعدد الروايات واختلافهم في الجمع أو التوفيق بينها أو صحتها وضعفها.
6 - الاجتهاد في وصف الدابة ومكان خروجها:
أما الاجتهاد في وصف الدابة:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن لها عنقًا مشرفًا –أي طويلاً- يراها من بالمغرب، ولها وجه الإنسان ومنقار كمنقار الطير، ذات وبر وزغب" ([ xc]).
وعن أبي هريرة t: " أنها ذات عصب وريش" ([ xci]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "زغباء ذات وبر وريش" ([ xcii]).
وعن حذيفة t: إنها ملمّعة ذات وبر وريش، لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب ([ xciii]).
وعن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وقد قيل له: أن ناساً يزعمون أنك دابة الأرض فقال: والله إن لدابّة الأرض ريشاً وزغباً، ومالي ريش ولا زغب، وإن لها حافراً ومالي حافر، إنها تخرج حضر الفرس الجواد ثلاثاً، وما أخرج ثلثاها" ([ xciv]).
وعن عمرو بن العاص t: أن رأسها يمسّ السحاب وما خرجت رجلها من الأرض ([ xcv]).
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما: إنها تخرج كجري الفرس ثلاثة أيام لم يخرج ثلثها، وهذا يقرب من رواية علي كرم الله وجهه المارة ([ xcvi]).
وعن أبى هريرة t: أن فيها من كل لون ما بين قرنيها فرسخ للراكب ([ xcvii]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنها مؤلفة ذات زغب وريش فيها من ألوان الدواب كلّها، وفيها من كل أمة سيما، وسيماهم من هذه الأمّة أنها تكلم الناس بلسان عربي مبين تكلمهم بكلامهم" ([ xcviii]).
هذه الروايات التي ذكرناها عن الصحابة رضي الله عنهم قد يصحّ بعضها وقد يضعف، فيعتمد البعض عليها في إثبات أوصاف الدابة كما فعل البرزنجي حيث ساق هذه الأقوال دون تعليق عليها وكأنه يقرها، مع العلم أنه لم يثبت في وصف الدابة حديث صحيح عن رسول الله e([xcix]).
وأما الاجتهاد في مكان خروجها: فقد اختلفت الروايات الواردة عن رسول الله e ([c]) كما اختلفت الروايات عن الصحابة رضي الله عنهم ([ ci]) ومن ثم اختلفت آراء العلماء في ذلك، ففي بعضها: أنها تخرج من إنطاكية، وفي بعضها: أنها تخرج من المروة، وفي بعضها: من مدينة قوم لوط، وفي بعضها: من وراء مكة.
ووجه الجمع بين هذه الروايات من وجهين:
أحدهما: أن لها ثلاث خرجات، ففي بعضها تخرج من مدينة قوم لوط، ويصدق أنها من أقصى البادية، وفي بعضها تخرج من بعض أودية تهامة، ويصدق عليها أنه من وراء مكة، ومن اليمن لان الحجاز يمانية، ومن ثم قيل: الكعبة يمانية. وفي المرة الأخيرة تخرج من مكة وهي من أعظم جثتها وطولها يمكن أن تخرج من بين المروة والصفا وأجياد، فإنها تمسك مقدار ثلاثة أيام واكثر وحينئذ يصدق عليه أنها خرجت من المروة ومن الصفا ومن أجياد ومن المسجد، وبالله التوفيق.
¥