تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الوجه الثاني: أنها تخرج من جميع تلك الأماكن في آن واحد خرقاً للعادة في صور مثالية، وهذا أيضا مبني على تحقيق المثال المحسوس ([ cii]) وفي هذه المسالة كان الخلاف في مسالة صحة الروايات أو ضعفها أو التوفيق بين الروايات.

7 - الاجتهاد في الميزان والحوض أيهما يكون قبل الآخر؟ فهناك أقوال منها: أن الميزان قبل الحوض، وقيل الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل الميزان، قال القرطبي: "والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم كما تقدم فيقدم قبل الميزان والصراط".ويظهر من قول القرطبي انه اعتمد على مرجح عقلي وقد تختلف العقول في ذلك.

قال أبو حامد الغزالي في كتاب كشف علم الآخرة: حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله، قال القرطبي: هو كما قال، وذهب إلى أنَّ الرأي الصحيح هو أن للنبي حوضان: أحدهما: في الموقف قبل الصراط، والثاني: يكون في الجنة ([ ciii]). ويظهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو ترجيح دليل على آخر، أو هو على قاعدة الجمع بين الأدلة عند صحتها ([ civ]).

8- الاختلاف فيما يوزن يوم القيامة: ومن أمثلة ذلك الاجتهاد والاختلاف في الشيء الّذي يوزن يوم القيامة، فمنهم من جمع بين الأدلة التي وردت فيما يوزن، ومنهم من أخذ بحديث واعتمده في المسألة، ومن هنا وقع الخلاف في المسألة.

فقد وردت النصوص على ثلاثة أقسام في هذه المسألة واختلفت الآراء إلى أربعة، وهي: أن الّذي يوزن هو الأعمال نفسها عندما تتحول إلى أعيان ومما يدل على ذلك: حديث النبي r: ( أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف) ([ cv]).

ومما يدل على القول الثاني أن الصحف هي التي توزن هو حديث البطاقة المشهور، وهي أن صحف السيئات توضع في كفة ثم يوضع بطاقة مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلا يثقل شيء باسم الله ([ cvi]).

وأما القول الثالث: فهو أن الإنسان نفسه هو الّذي يوزن، ومما يدل عليه حديث رسول الله r عن ثقل ساقي عبد الله بن مسعود عند الله يوم القيامة وأنهما أثقل عند الله من جبل أحد ([ cvii]) وأما القول الرابع فهو الجمع بين الآراء فقالوا بوزن الأمور الثلاثة على قاعدة العمل بالدليل أولى من إهماله، والملاحظ في هذه أن الأحاديث المتعارضة كلها صحيحة.

أكتفي بهذا القدر من الأمثلة والتي كانت في كافة أقسام العقيدة، وبذلك يظهر بوضوح وقوع الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد بين الصحابة والتابعين والعلماء دون أن يكفر بعضهم بعضاً، وهذا تطبيق عملي في إقرار مشروعية الاجتهاد، نظراً للاختلاف في فهم النصوص أو نظراً للاختلاف في الجمع بين النصوص أو لاعتماد البعض على دليل لم يصل إلى الآخر أو نظراً لتصحيح أو تضعيف يعض الأدلة إلى غير ذلك من مبررات واقعية للاجتهاد والاختلاف، وعلينا أن نسلك مسلك من سبقنا في الإقرار بتلك الشرعية ولا ينكر بعضنا على بعض إذا خالفه الرأي.

المبحث الثالث:

أقوال العلماء في حكم المخالف في مسائل الاجتهاد في الاعتقاد.

وإذا كان العلماء قد أقروا بجواز الاجتهاد في مسائل فروع الاعتقاد من الناحبة النظرية، فقد وقع ذلك منهم فعلا، فاجتهدوا في فروع الاعتقاد كما بينا في المطلب السابق؛ فإنهم قد ارتضوا بنتائج الاجتهاد، فأقروا بأن حكم المخالف والمجتهد في فروع الاعتقاد هو حكم المجتهد في مسائل الفقه، يؤجر على اجتهاده أجرين إن كان صائبا، ويؤجر أجرا واحدا إن كان مخطئا، إذا بذل وسعه في استنباط الحكم من النص، وبناء عليه: فإنهم لم يكفروا صاحب الرأي المخالف في فروع الاعتقاد، وكانوا يصلون وراء من يخالفهم في فروع الاعتقاد، ولم يزيلوا الولاء بين المسلمين للاختلاف في تلك الفروع من الاعتقاد، وإليك بعض أقوال العلماء في بيان هذه المسألة بدءا من الإمام أحمد بن حنبل وانتهاء بالعلماء المعاصرين في زماننا.

يقول الإمام أحمد بن حنبل: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً" ([ cviii]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير