ويقول الذهبي عن التابعي قتادة السدوسي: "كان يرى القدر نسأل الله العفو ومع هذا فما توقف أحد في صدقه وعدالته وحفظه، ولعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه وبذل وسعه .. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك" ([ cxviii]).
ويتحدث الذهبي عن ابن خزيمة وتأويله حديث الصورة فيقول: "فليُعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع بمنه وكرمه" ([ cxix]).
ويقول: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة" ([ cxx]).
ويقول الذهبي في تعليقه على اختلاف الناس في أبي حامد الغزالي بين مادح وذام: "مازال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله ترجع الأمور" ([ cxxi]).
ويظهر من أقوال الذهبي بوضوح انه يقر بالاجتهاد ويعذر المخالف فلا يبدعه أو يكفره ولو كان الخلاف في مسالة تأويل الصفات أو في نفي القدر وهو ما ذهب إليه المعتزلة.
ويبين الشاطبي الفرق بين الخلاف السائغ وغيره " وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتّفاق عليها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف فيها، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف" ([ cxxii]). ويقول الشاطبي: "إن هذه الفِرَق إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات" ([ cxxiii]).
ويقول الشاطبي أيضا: "الاجتهاد الواقع في الشريعة ضربان، أحدهما الاجتهاد المعتبر شرعاً، وهو الصادر عن أهله الّذين اضطلعوا بمعرفة ما يفتقر الاجتهاد إليه ... والثاني: غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه، لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي .. فكل رأي صادر عن هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره، لأنه ضد الحق الّذي أنزله ... " ([ cxxiv]). ويظهر من كلام الشاطبي إقراره بالاجتهاد في المسائل الظنية وليست القطعية أي في الفروع دون الأصول، وفي المسائل الجزئية دون الكلية، وان هذا الاجتهاد والخلاف معتبر.
ويقول القرطبي مبينا العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم ولو كان مخالفا له: " وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه،
ثم قال: وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيَّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى:) وقولوا للناس حسنًا ((83: البقرة) فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي" ([ cxxv]) وتبين من كلام القرطبي أن أصحاب الأقوال الخاطئة و أصحاب الأهواء طالما انهم حنفاء فيجب معاملتهم معاملة طيبة وان يقال لهم قولا لينا وفي هذا الكلام دعوة للتسامح بين المسلمين.
وقال محمد بن أحمد الغنجار:" كان لابن سلام مصنفات في كل باب من العلم، وكان بينه وبين أبي حفص أحمد بن حفص الفقيه مودة وأخوة مع تخالفِهِما في المذهب" ([ cxxvi]).
فمذهب ابن سلام هو مذهب أهل الحديث والأثر، ومذهب أبي حفص مذهب الحنفية في الإرجاء وغيره، ومع الاختلاف بينهما في مسائل الاعتقاد الفرعية، إلا أنهما كانا على مودة ([ cxxvii]).
¥