تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول التفتازاني: "والمجتهد في العقليات والشرعيات الأصلية والفرعية قد يخطئ ويصيب ... والمجتهد غير مكلّف بإصابته لغموضه وخفائه فلذلك كان المخطئ معذورًا بل مأجورًا، فلا خلاف على هذا المذهب في أن المخطئ ليس بآثم" ([ cxxviii]). وكلام التفتازاني ظاهر في إقراره بالاجتهاد وبالتالي بالخلاف وأعذاره وعدم تأثيم المخطئ لأنه غير مكلف بالوصول إلى الحق وان كان مكلفا بالاجتهاد للغموض الذي قد يكون موجودا في النصوص. ونجد الشيخ جمال الدين الغزنوي يعرض الخلاف في مسائل عصمة الأنبياء والخلاف في مسالة القدر وفي مسالة أطفال المشركين ويقول بعد كل مسالة: (والقول السديد .. ) في هذه المسألة كذا وكذا .. دون أن يشنع على المخالف، وهذا إقرار منه باجتهاد وعدم تكفير المخالف في مثل تلك المسائل الفرعية ([ cxxix]).

ويقول محمد بن عبد الوهاب: "ثم اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعاً فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد" ([ cxxx]). ويظهر من هذا الكلام تفريقه بين المسائل المجمع عليها وفي الغالب يكون الإجماع على القضايا الكلية والتي دلالة النصوص عليها قطعية، وبين المسائل الاجتهادية فيرى أن الأولى لا يصح الاختلاف فيها و أما الثانية فلا ينكر من اجتهد واختلف معه فيها.

وفيما يلي أورد أقوال ومواقف بعض العلماء المعاصرين في الإقرار بمبدأ الاجتهاد في فروع الاعتقاد وإعذار المخالف وعدم تكفيره:

فيقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: " إن المتأولين من أهل القبلة الّذين ضلوا وأخطأوا في فهم ما جاء في الكتاب والسنة مع إيمانهم بالرسول واعتقادهم صدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كان حقًا، والتزموا ذلك لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العلمية، فهؤلاء قد دلّ الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدّين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصّحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة السلف على ذلك" ([ cxxxi]) ويرى في هذا القول أن المجتهد المتأول المخطئ لا يكفر ولا يخرج من دائرة الإسلام.

ويستنكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على المسلمين تكفير بعضهم بعضا فيقول " واني لأقرأ في صحفنا الدينية اليوم نزاعاًً بين أتباع السلف والخلف –كما سموا أنفسهم – واسمع ألفاظ الكفر تتبادل كما تتبادل الكرة أرجل اللاعبين فأهز رأسي عجبا " ([ cxxxii]) وعبارته واضحة بإعذار المخالف في الاجتهاد وعدم تكفيره.

وأجد الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني يورد الآراء الثلاثة المعتبرة في مسالة الصفات الخبرية من إثباتها أو تفويضها أو تأويلها، ثم يقول في معرض تعليقه على مذهب المؤولة: "وحين نلاحظ أن كبارًا من علماء المسلمين الذين هم مرجع للمسلمين في علوم الفقه والتفسير والحديث قد أخذوا بهذه الطريقة، يتأكد لدينا أن لهم رأيا لا يصح أن نضللهم فيه، مادام لهم وجهة نظر ذات حجة، ولهم نظائر في الشريعة مما اتفق المسلمون جميعا عليه. ولئن كانوا مخطئين في هذا، فهم ضمن شروط الاجتهاد المقبول، ولهم اجر على اجتهادهم الذي بذلوه ليصلوا إلى ما ينشدونه من حق " ([ cxxxiii]) ويظهر من كلامه أن المكلف به المسلم هو الاجتهاد وليس الوصول إلى الحق أو الصواب؛ فان اخطأ فانه يؤجر على اجتهاده ويعذر في خطئه.

ويفرق أ. د قحطان الدوري بين الأصل الديني وهو المتفق عليه بين المسلمين من الإيمان بالله وبالنبوة واليوم الآخر ... والأصل المذهبي الذي يخص فرقة معينة ويرى أن المخالف في الديني كافر وان المخالف في الأصل المذهبي ليس من مذهب مخالفه ولكنه مسلم وليس بكافر ([ cxxxiv]) وهذا القول يقرر مبدأ الخلاف بين المسلمين وان المخالف في الفروع دون الأصول ليس بكافر.

المبحث الرابع

نظرية ابن تيمية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد وضوابطه.

لابن تيمية نظرية في الاجتهاد في فروع الاعتقاد والاختلاف فيها، ويمكن من خلال استقراء النصوص الواردة عن ابن تيمية في هذا الموضوع استخلاص مفاصل هذه النظرية، وذلك وفق النقاط التالية:

أولا: يقرر مشروعية الاجتهاد في فروع الاعتقاد فيقول: " وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها في باب الصفات والقدر والإمامة، وغير ذلك، فهو من هذا الباب، فيه المجتهد المصيب، وفيه المجتهد المخطئ " ([ cxxxv]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير