تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويظهر من كلام ابن تيمية في الاختلاف في مسائل الصفات في كون الصفات زائدة على الذات، أو غير زائدة، وفي تأويل الصفات الخبرية، وفي مسائل القدر حيث كان الخلاف في التفريق بين القضاء والقدر والتعليل في حكمة القدر، واختلافهم في الإمامة بين أبي بكر وعلي – رضي الله عنهما -، وغير ذلك من مسائل الخلاف بين الأمة في هذه القضايا وأمثالها، أن فيها المجتهد المصيب، والمجتهد المخطئ، فقد سماه مجتهدا، مع كونه مخطئا، وهذا إقرار منه بمشروعية الاجتهاد.

ثانيا: أن اختلاف الصحابة في فروع الاعتقاد مؤيد من مؤيدات المشروعية للاجتهاد في فروع الاعتقاد: وفي ذلك يقول: "وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية، كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة. وهذه المسائل منها ما أحد القولين خطأ قطعا، ً ومنها ما المصيب في نفس الأمر واحد عند الجمهور أتباع السلف، والآخر مؤد لما وجب عليه بحسب قوة إدراكه. وهل يقال له: مصيب أو مخطئ؟ فيه نزاع. ومن الناس من يجعل الجميع مصيبين ولا حكم في نفس الأمر، ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ" ([ cxxxvi]).

فقوله: " وتنازعوا في مسائل علمية اعتقاديه كسماع الميت صوت الحي ... : فيه دلالة واضحة على اختلاف الصحابة – رضي الله عنهم – في فروع الاعتقاد من غير نكير بينهم، فدل ذلك على المشروعية.

ثالثا: يرى ابن تيمية عدم التفرقة بين مسائل الاعتقاد والفقه في جواز الاجتهاد فيهما، فيقول: " فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق، فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي – e– وجماهير أمة الإسلام " ([ cxxxvii]).

فقوله سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، يدل دلالة صريحة على عدم التفرقة بينهما، حيث عبر عن المسائل الاعتقادية بالنظرية، والمسائل الفقهية بالعملية، ورأى أن القول بعدم التفريق بينهما في جواز الاجتهاد هو قول صحابة النبي – e– وجماهير أمة الإسلام.

رابعا: يفرق ابن تيمية بين الأصول والفروع من حيث جواز الاجتهاد، فيرى جوازه في الفروع دون الأصول، ويعبر عن ذلك بقوله: "الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء، ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض، وهم أهل السنة والجماعة، وما تنوعوا فيه من الأعمال والأقوال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء " ([ cxxxviii]).

فقوله: الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، هي الأصول التي لا يجوز الاجتهاد والاختلاف فيها، وقد شبهها بالدين المشترك بين الأنبياء من توحيد الله عز وجل والإيمان به والجزاء على ذلك يوم القيامة التي لا يجوز الخروج عنها، وأما فروع الاعتقاد فقد شبهها – رحمه الله – باختلاف شرائع الأنبياء، التي تنوعت عندهم، فإقراره بتنوعها يعني إقرارا بجوازالاجتهاد والاختلاف في هذه الفروع.

خامسا: ويضع ابن تيمية شروطا للاجتهاد، أساسها النظر في الأدلة الشرعية المعتبرة بقصد الوصول إلى الحق الذي أراده الله وأراده رسوله e، وعليه: فلا كرامة لمن صدر في رأيه عن العقل المجانب للشرع، أو عن الرؤى المنامية ولا لمن صدر عن الهوى والعصبية، وفي هذا المعنى يقول: "فالمذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام، هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء، وهم مثابون على ابتغائهم وجه الله وعبادته وحده لا شريك له، وهو الدين الأصلي الجامع" ([ cxxxix]).

ويظهر من خلال هذا النص ما يضع ابن تيمية من شروط للاجتهاد من الإخلاص وعدم اتباع الهوى والتمسك بالملة و الدين الجامع الذي يجمع بين المسلمين ولا يفرقهم من عبادة الله وحده لا شريك له وأن يكون أساس الاجتهاد مبنيا على الكتاب والسنة وليس على العقل أو على غيره من الأدلة غير المعتبرة في الشرع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير