تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سادسا: مسوغات الاجتهاد في فروع الاعتقاد: فيقول: " وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وأما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وأما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله تعالى: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" (286: البقرة) وفي الصحيح قال: قد فعلت " ([ cxl]).

ويظهر من هذا النص مبررات الاجتهاد والاختلاف عند ابن تيمية، نظرا لاختلاف المجتهدين في صحة الأحاديث أو ضعفها، أو أن بعض النصوص لم تصلهم، أو أنهم اختلفوا في فهمهم لتلك النصوص، أو أخطأوا فان الله لا يؤاخذهم، كما أشار دعاء المؤمنين في الآية ويستجيب الله دعاءهم كما اخبر الحديث.

سابعا: أنه يعذر المخالف ([ cxli]) وفي ذلك يقول: "والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعلمية كما قد بسط في غير موضع كمن اعتقد ثبوت شيء لدلالة آية أو حديث وكان لذلك ما يعارضه ويبين المراد ولم يعرفه مثل من اعتقد أن الذبيح إسحاق لحديث اعتقد ثبوته أو اعتقد أن الله لا يُرى لقوله:) لا تدركه الأبصار ((103: الأنعام) ولقوله:) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ?للَّهُ إِلاَّ وَحْياً أو مِن وَرَاء حِجَابٍ ((51: الشورى) نقل عن بعض التابعين أن الله لا يرى، وفسروا قوله) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى? رَبّهَا نَاظِرَةٌ ((22 - 23: القيامة) بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح .. أو اعتقد أن الله لا يعجب كما اعتقد ذلك شريح لاعتقاده أن العجب إنما يكون من جهل السبب، والله منزه عن الجهل.

وكما أنكر طائفة من السلف والخلف أن الله يريد المعاصي لاعتقادهم أن معناه أن الله يحب ذلك ويرضاه ويأمر به .. وكالذي قال لأهله: (إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين) ([ cxlii]) وكثير من الناس لا يعلم ذلك إما لأنه لم تبلغه الأحاديث وأما لأنه ظن أنه كذب وغلط" ([ cxliii]).

ويقول: "وأما غير هؤلاء فيقول هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم لا يؤثمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم" ([ cxliv]).

فقوله: "لا يؤثّمون مجتهدًا مخطئًا في المسائل الأصولية الفروعية كما ذكر عنهم ابن حزم وغيره" يدل دلالة صريحة على إعذار المجتهد المخطىء، خاصة إذا بذل جهده في الوصول إلى الحق ثم لم يصل إليه، وفي ذلك يقول: " ... إن الله أمر كلاًّ منهم أن يطلب الحق بقدر وسعه وإمكانه، فإن أصابه كان خيرا، وإلا فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وقد قال المؤمنون:) رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا (" (286: البقرة) وقال الله قد فعلت، وقال تعالى:) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به (" (5: الاحزاب) فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله عليه، فقد اعتدى، ومن أراد أن يجعل أقوالهم وأفعالهم بمنزلة قول المعصوم وفعله وينتصر لها بغير هدى من الله فقد اعتدى، واتبع هواه بغير هدى من الله، ومن فعل مثلما أمر به بحسب حاله من اجتهاد يقدر عليه أو تقليد إذا لم يقدر على الاجتهاد، وسلك في تقليده مسلك العدل، فهو مقتصد، إذ الأمر مشروط بالقدرة) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (" (286: البقرة) فعلى المسلم في كل موطن أن يسلم وجهه لله وهو محسن، ويدوم على هذا الإسلام " ([ cxlv]).

وقد كانت عبارته صريحة في إعذار المخالف، وأن عدم الإعذار اعتداء على شرع الله، فقد قال: "فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله به، فقد اعتدى".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير