ثامنا: عدم تكفير المجتهد المخالف: يقول في ذلك " ولا يجوز تكفير المسلم بذنب يفعله ولا خطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة" ([ cxlvi]) ويقول: " وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفهم مكفراً لهم مستحلاً لدمائهم" ([ cxlvii]) ويقول: "وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة ... ومن كان منهم مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا, وإن كان أخطأ التأويل كائنا من كان أخطاؤه ومن قال: إن هذه الثنتين والسبعين كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة, بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة, فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين و السبعين فرقة" ([ cxlviii]) وفي هذه الأقوال يظهر جليًا أن ابن تيمية لا يكفر أحدًا من المسلمين إذا كان قوله صادرًا عن اجتهاد في النص، وإنما يكفر من يخالف كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه e وإجماع الأمة.
تاسعا: أن المصيب فيها له أجران، والمخطئ له أجر: وفي ذلك يقول معلقا على حديث النبي e: " خير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها ([ cxlix]) ولم يقل: وكل ضلالة في النار، بل لا يضل عن الحق من قصد الحق واجتهد في طلبه فعجز عنه، فلا يعاقب، وقد يفعل بعض ما أمر به، فيكون له أجر على اجتهاده، وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له" ([ cl]).
وظاهر من كلامه أنه رتب الأجر للمجتهد المخطئ، وخطؤه مغفور له عند الله سبحانه وتعالى
عاشرا: الاجتهاد والاختلاف في فروع الاعتقاد لا يزيل الولاء بين المسلمين: ويرى أن الاختلاف في مسائل الاعتقاد لا يفرق الأمّة، ولا يزيل الوحدة بينهم، و يبقي الولاء بين المسلمين، ويصلى المسلم المخالف لهم بصلاتهم ويحضر الأعياد معهم، بل إن الإمام ابن تيميه يمدح ويثني على المخالف المستحق للمدح من أشاعرة وصوفية وغيرهم ونجد في هذه المعاني عدة نصوص منها قوله في وصف السلف.: "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" ([ cli]). ثم يورد أدلة واستنباطات تدلل على ما ذهب إليه فيورد قصة أسامة بن زيد حيث قتل رجلاً بعد ما قال: لا إله إلا
الله، وعظم على النبي r ذلك لما أخبره وقال: (يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ([ clii]). ومع هذا لم يوجب عليه قودًا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذًا و حاميا لنفسه من القتل فقال له النبي e:( هلا شققت عن قلبه).
ومع قتال المسلمين بعضهم لبعض في قتال الفتن فانهم لم يكفروا من قاتلوه وهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى:) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ((9: الحجرات) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي r سأل ربه (أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك، وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا) ([ cliii]).
وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى:) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ((65: الأنعام) قال: "أعوذ بوجهك") أومن تحت أرجلكم ((65: الأنعام) قال "أعوذ بوجهك") أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض ((65: الأنعام) قال "هاتان أهون" ([ cliv]).
¥