هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف, ونهى عن البدعة والاختلاف, وقال:) إن الّذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء ((159: الأنعام) وقال النبي r: ( عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة) ([ clv]) وقال: (الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) ([ clvi]) وقال: (الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم) ([ clvii]).
ثم يبين جوانب الولاء العملي بين المسلمين ويذكر بالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, وإن رأى بعضهم ضالاً أو غاويًا وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك, وإلا فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها, وإذا كان قادراً على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, وإن قدر أن يمنع من يظهر البدع والفجور منعه. وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل, كما قال النبي r في الحديث الصحيح: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا) ([ clviii]).
وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي r الثلاثة الّذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. وأما إذا ولي غيره بغير إذنه وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلاً وضلالاً, وكان قد رد بدعة ببدعة.
حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهو مبتدع. وهذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع, ولم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. ولهذا كان أصح أقوال العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله, والمحبوس وذوو الأعذار النادرة والمعتادة والمتصلة والمنقطعة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.
وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة عقدها ولم يأمرهم النبي e بالإعادة ([ clix]) بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها لم يأمره بالقضاء, فعمرو وعمار لما أجنبا وعمرو لم يصل وعمار تمرّغ كما تتمرّغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء, وأبو ذر لما كان يجنب ولا يصلي لم يأمره بالقضاء, والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء.
والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء, وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى:) حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ((187: البقرة) هو الحبل فقال النبي r: ( إنما هو سواد الليل وبياض النهار) ([ clx]) ولم يأمرهم بالقضاء؛ والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات, والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة) وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا, وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.
ويتضح من أقوال ابن تيمية رأيه بوضوح انه لا يكفر المسلمين عموما سواء كان المخالف من أهل السنة والجماعة أو من غيرهم ([ clxi]).
وقد أكثرت من أقوال ابن تيميه لبيان رأيه بوضوح لأن بعض من ينتسب إليه ينسب مبدأ تكفير المخالف ولو في مسائل جزئية إليه، وأن بعض من لم يطلع على مثل هذه الأقوال يتهمه بتكفير المسلمين.
وبعد فهذه هي بعض الأقوال من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية سواء المذهب الحنبلي أو الشافعي أو المالكي أو الحنفي أو السلفي أو الأشعري أو الماتردي أو الظاهري أو غيرهم تجمع على حقيقة؛ أنه يجوز الاجتهاد والاختلاف في المسائل الظنية الثبوت أو الدلالة والتي يطلق عليها مصطلح فروع الاعتقاد.
الخاتمة
بعد استكمال عناصر هذا البحث فقد توصل الباحث إلى النّتائج التالية:
¥