تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي اليوم الآخر أرسل الخليفة حفظه الله للوزير والأمراء وقد حصل الخوف العظيم من ثورة العامة وطال الترادد والمشاورة بينهم ومن بعد ذلك أرسل لي حفظه الله فوصلت إليه حفظه الله فاستشارني فأشرت عليه أن الصواب المبادرة بحبس جماعة من المتصدرين في الجامع للتشويش على العوام وإيهامهم أن الناس فيهم من هو منحرف عن العترة وأن التظاهر بما يتظاهرون به من اللعن ليس المقصود به إلا إغاظة المنحرفين ونحو هذا من الخيالات التي لا حامل لهم عليها إلا طلب المعاش والرياسة والتحبب إلى العامة، وكان من أشدهم في ذلك السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي، فإنه كان رافضياً جلداً مع كونه جاهلاً مركباً وفيه حدة تفضي به إلى نوع من الجنون، وصار يجمع مؤلفات من كتب الرافضة ويمليها في الجامع على من هو أجهل منه ويسعى في تفريق المسلمين ويوهمهم أن أكابر العلماء وأعيانهم ناصبة يبغضون علياً كرم الله وجهه، بل جمع كتاباً يذكر فيه أعيان العلماء وينفر الناس عنهم، تارة يسميهم سنية وتارة يسميهم ناصبة، ومع هذا فهو لا يدري بنحو ولا صرف ولا أصول ولا فروع ولا تفسير ولا حديث بل هو كصاحب الترجمة في التعطل عن المعارف العلمية لكن صاحب الترجمة يعرف فناً من فنون العلم كما قدمنا وأما هذا فلا يعرف شيئاً إلا مجرد المطالعة لمؤلفات الرافضة الإمامية ونحوهم الذين هم أجهل منه، ويشبه الرجلين رجل آخر هو أحد عبيد مولانا الإمام حفظه الله اسمه ضرغام رأس ماله الاطلاع على بعض كتب الرافضة المشتملة على السب للخلفاء وغيرهم من أكابر الصحابة فصار هذا يقعد في الجامع ويملي سب الصحابة على من هو أجهل منه، هذه الأمور هي سبب ما قدمنا ذكره.

فلما أشرت على مولانا الإمام حفظه الله بحبس هؤلاء وجماعة ممن يماثلهم حصل الاختلاف الطويل العريض في مقامه الشريف بين من حضر من أولاده ووزرائه، ومنشأ الخلاف أن من كان منهم مائلاً إلى الرفض وأهله فهو لا يريد هذا، ومن كان على خلاف ذلك فهو يعلم أنه الصواب وأنها لا تندفع الفتنة إلا بذلك فصمم مولانا حفظه الله على حبس من ذكر، ثم أشرت عليه حفظه الله أن يتتبع من وقع منه الرجم ومن فعل تلك الأفاعيل فوقع البحث الكلي منه ومن خواصه فمن تبيَّن أنه منهم أودع الحبس والقيد وما زال البحث بقية شهر رمضان حتى حصل في الحبس جماعة كثيرة، فلما كان رابع شوال طلب الإمام حفظه الله الفقهاء المباشرين للرجم فبطحوا تحت طاقته وضربوا ضرباً مبرحاً ثم عادوا إلى الحبس، ثم طلب في اليوم الثاني سائر العامة من أهل صنعاء وغيرهم المباشرين للرجم ففعل بهم كما فعل بالأولين وضربت المدافع على ظهور جماعة منهم، ثم بعد أيام جعلوا في سلاسل حديد وأرسل بجماعة منهم إلى حبس زيلع وجماعة إلى حبس كرمان، وفيهم ممن لم يباشر الرجم السيد إسماعيل بن عز الدين النعمي المتقدم وسبب ذلك أنه جاوز الحد في التشديد في الغرض كما قدمنا، وأما صاحب الترجمة ومن شابهه في هذا المسلك فإنه حبس نحو شهرين ثم أطلق هو ومن معه، وبالجملة فهذه فتنة وقى الله شرها بالحزم الواقع بعد أن وجلت القلوب وخاف الناس واشتد الخطب وعظم الكرب وشرحها طويل، وبعد هذه الواقعة بنحو سنة عوَّل صاحب الترجمة في أن يكون أحد أعوان الشرع ومن جملة من يحضر لدي فأذنت له وصار يعتاش بما حصل له من أجرة تحرير الورق وذلك خير له مما كان فيه إن شاء الله ([35]).

المبحث الثالث

المآسي المترتبة على الفرقة في العصر الحديث من القسمين السابقين

وفي هذا العصر تأجج الخلاف وعظُم بين أفراد الأمة، هذا الخلاف الذي له جذور تاريخية، ومؤثرات عصرية، من أهمها قوة وسائل الإعلام التي ربطت بين أرجاء العالم الإسلامي فأصبحت الفتاوى المختلفة، والتقريرات المؤثرة من المحيط إلى المحيط تنتقل في اليوم نفسه، أحياناً، إلى المسلمين مسببة لهم كثيراً من البلبلة وعدم الاتفاق نظراً لاختلاف المدارس الفقهية والعقدية التي كانت محصورة، فيما مضى، في مجتمعات محدَّدة ومعروفة، وإن كُتِب لها الانتشار فإنه في حدود ضيقة، وفي أوساط علمية محددة، وليس بين عوام المسلمين كما يحصل اليوم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير