تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

• * * *

و لا حجة لمن دفع الاحتجاج بمقتضى ذلك الحديث الصحيح بقول البيهقي: (ويحتمل أن يكون ابن عباس أراد ما روي عنه في قصة أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمده لرؤيته أو تكمل العدة، ولم يثبت عنده رؤيته ببلد آخر بشهادة رجلين حتى تكمل العدة على رؤيته، لانفراد كريب بهذا الخبر فلم يقبله): فاحتمال غير وارد؛ لاختلاف محلّي الحديث، إذ محلّه هنا: إذا غمّ الهلال – أي حال دون رؤيته غيم و غيره -، ففيه: (أهللنا رمضان ونحن بذات عرق. فأرسلنا رجلا إلى ابن عباس رضي الله عنه يسأله. فقال ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أمده لرؤيته. فإن أغمى عليكم فأكملوا العدة "). أما احتمال ردّ ابن عباس لكلام كريب لعدم ثبوت الرؤية عنده إلا بشاهدين: فيردّه ما رواه ابن عباس نفسه من الحديث: " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أبصرت الهلال الليلة فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقال نعم فقال قم يا فلان فأذن في الناس فليصوموا ". ففيه قبول شهادة الأعرابي و كان وحده، و ابن عباس هو راوي الحديث و هو القائل لكريب بالمدينة: " لا " لمّا سأله: (أ و لا تكتفي برؤية معاوية و صيامة) و كان بالشام. و قد رد ابن العربي ذلك الاحتمال، فقال: " لأن كُرَيْباً لم يشهد وإنما أخبر عن حكم ثبت بالشهادة، ولا خلاف في الحكم الثابت أنه يجزى فيه خبر الواحد ".

و عليه فقول البيهقي أيضا: (ويكون قوله – أي ابن عباس -: " لا ": فتوى من جهته، قياساً على هذا الخبر) فيه نظر؛ لأن محل الخبر: إغماء الهلال عند الرؤية، و قياسه على الخبر لا وجه له؛ لاختلاف محل الفرع عن الأصل.

ولم يكن قول ابن عباس رأيا له وحده، بل هو ما كان عليه عمل أهل المدينة حينداك؛ (قال الرافعي ويروى أن ابن عباس أمر كريبا أن يقتدي بأهل المدينة)؛ ذكره ا بن الملقن الأنصاري في " خلاصة البدر المنير "، و قال: (لا يحضرني)، وقال ابن حجر في " التلخيص الحبير ": (ويروى ان بن عباس أمر كريبا أن يقتدي بأهل المدينة هو ظاهر من قوله: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: " لا "). و هو ظاهر أكثر في قوله في الحديث: " فلا نزال نصومه حتى نكمل ثلاثين أو نراه "؛ بصيغة الجمع.

* * *ٍ

2 - و أما الإجماع (والمؤيد لمقتضى النص المذكور آنفا، والذي ذكره الإمام أبو العباس القرطبي): فهو ماحكاه الإمام ابن عبد البر في كتابه " الاستذكار "، قال: ((قد أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان، وكذلك كل بلد له رؤيته، إلا ما كان كالمصر الكبير وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين والله أعلم)).

و ما ادعاه البعض من ضعف إجماعات ابن عبد البر: فلا يدفع ذلك الإجماع، إذ ذكره و قبله و لم يضعفه كثير من الأئمة: منهم أبو العباس القرطبي في " المفهم "، و أبو عبد الله القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن "، و ابن حجر في " فتح الباري "،، و كذا ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "، و قال في استدلال ابن حنبل بقبول النبي صلى الله عليه و سلم شهادة الأعرابي برؤية الهلال: " و هذا لا ينافي ما ذكره ابن عبد البر ". و قال ابن رشد في " بداية المجتهد ": " وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز ".

و لا يعقل اتفاق مثل هؤلاء الأئمة في الوقوع في الخطأ فيما حكوه من إجماع.

و قد قال القرطبي في تفسيره " وإذا صح الإجماع بعد الخلاف كان مسقطا للخلاف ".

و دليله ما استقر عليع العمل بوجوب الغسل بمجرد إلتقاء الختانين، بعد الخلاف المتقدم في عصر الصحابة في الإنزال.

و " الإجماع ": هو ثالث أدلة التشريع في الإسلام المتفق عليها عند الجمهور، بعد الكتاب و السنّة؛ فهو حجّة ملزمة في محل المسألة.

* * *

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير