تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد خاطب الشيخَ أحمد بنب بن حبيب الله، بعدة قطع وقصائد رائعة، وخاطب الشيخ سعد أبيه مجيبا له، وله أشعار أخرى في تضرعات وابتهالات، ووصف ومدح لبعض الأدباء من جلسائه، وكله جيد يأتي عفوا. لأنه كما قيل لا يعطيه من وقته الثمين إلا لحظات، فيأتي ابْنَ ساعته عفوا سهلا مُمْتنعا لا تَكَلُّف فيه. ولم لا يكون كذلك وأبوه الشيخ سيدي محمد الشاعر المُفلق المشهور، وجده الشيخ سيديا الشاعر الفحل الذي يغرف من بحر وينحت من صخر؟ وكان له مجلس علميٌ يضم جماعة من كبار علماء وقته، يتطارحون فيه المسائل ويبحثون في القضايا النازلة، وربما في أحكام بعض القضاة إذا احتيج للنظر فيها. وكانت أوقاته مقسومة بين إقامة فرائضه التي يبالغ في الاحتياط فيما تبرأ به الذمة ويخرج به من العهدة، ويحصل به الكمال في الصلاة، فرائض وسننا وآدابا، يطيل في المواضع التي يسن فيها التطويل، لأنه يرى أن التخفيف الذي تؤمر به الأئمة نسبي لا يمكن ضبطه إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما هو مذهب المحققين لا كما يقول المتأخرون من الفقهاء المُقَلِّدة. هذا مع إدامة النوافل والسعي في مصالح المسلمين والشفاعة الحسنة فيهم عند الحكام، واستقبال الوفود القادمة، وتفقد أحوال المتعلقين به في دنياهم ودينهم، والقيام بحقوقهم كل بنسبة ما يحاول، وإدمانِ المطالعة من غير مللٍ ولا فتورٍ ليلا ونهارا، قليلُ النوم ليلا، وقيل إنه لم ير مضطجعا نهارا. وأُعْطيُ في كل هذا قوة لا تتأتى لغيره. وتُثمرُ هذه المطالعة إفاداتٍ، وزياداتٍ، وتحقيقاتٍ تُتْحَفُ بها جلساؤه فلا يفترقون إلا عن ذَوَاقٍ، ربما تكون أنفع لطالب العلم وأسرع في التحصيل، وأجمع للشوارد النَّادَةِ التي لا تتاح إلا للراسخين في العلم المستنبطين للعلم من منبعه الأصلي: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أقول: ربما تكون أنفع من الاشتغال بالمتون المختصرة حفظا وفهما وأقرب إلى منهجية أخذ العلم زمان النبوءة، وإن كان الاشتغال بالمتون أيضا مهما نافعا لا يستغنى عنه. وقد نظم مسائل من فنون مختلفة من السِّيَرِ والفقه واللغة .... الخ، كنظمه لأهل الصفة من فقراء المهاجرين نظما حسنا، وقد استوفاهم الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، وعدهم عدا "74"، ونظمٍ في أحكام خِطْبَةِ المسلم على خِطْبَة أخيه، ونظمٍ في حُكمِ السجود باعتبار المحل المسجود عليه من جواز وكراهة وندب، ونظمٍ في أسماء الله الحسنى، ونظمٍ في أقسام "لا" النافية وأحكامها. وله رسالة في سُنيةِ القبض في الصلاة، وأخرى في الطهارة، إلى غير ذلك. وتأليفه في أخبار إدوعيش ومشظوف مملوء فقها وأدبا وظرافة، حتى إنه يأتي ببعض الشعر الحساني وما يناسبه في موضوعه من الشعر العربي، وهو موضوع طريف لم يُسبق له فيما علمتُ، يربط بين الأدب الشعبي والأدب العربي، لو وُجِدَ من يبني عليه ويثريه لكان غاية في الطرافة.

4. رأيه في التصوف: كان يقول في نثره ونظمه، إن التصوف علم وعمل وإخلاص ويحذر مما يخالف ذلك. وقال في ذلك: حقيقةُ الصوفي عند القوم العالمُ العاملُ بالإخلاص والشيخُ في هذا الزمان الحاضر "يصحب شيخا عارف المسالك

أَهْلِ الصفاءِ مِنْ دواعي اللوم لا غيرُ يا مبتغيَ الخلاص ليس كما تسمع في ابن عاشر يقيه في طريقه المهالك"

وهكذا يشير إلى قلة الصادقين في هذه الأزمنة، وله في ذلك قطع مشهورة محفوظة. ولم يزل المحققون من الصوفية يَحُطّونَ على المنحرفين من المنتسبين إلى طريق القوم من غير التزام مذهبهم، حتى حمل القشيريَّ في رسالته على إنشاد قول القائل: أما الخيام فإنها كخيامهم

وأرى نساء الحي غير نسائها

وقال زروق: "أما الآن فلا خيام ولا نساء". وقد بسط الكلامَ في ذلك في كتبه كـ"النصح الأنفع"، و"عدة المريد الصادق"، وتعرض لطرف منه في "القواعد"، وقبله ابن الجوزي، وابن الحاج في "المدخل"، وأبو إسحاق الشاطبي، وغيرهم ممن لا يحصيهم إلا الله تعالى. وكان بابه يسلك في نصحه وسده ذريعة الفساد، مسلك الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، من غير مداهنة ولا تنفير، شأنُ المصلح الحكيم. يُقرظ حال المستقيم المعتدل، ويُنَفِّر من المائل المنحرف، ويجمل في ذلك ولا يعين. ومنه قوله: الشيخ لفظٌ وَحْدَهُ لا يُجْدِي وإِنَما التّقْوى مِلاكُ المجدِ أما سمعت الشيخَ قبل النجدي وقال في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير