تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

السادس: *الغارمين *.

والغرم هو الدين، وقسم العلماء رحمهم الله الغرم إلى قسمين: غرم لإصلاح ذات البين، وغرم لسداد الحاجة، أما الغرم لإصلاح ذات البين، فمثلوا له بأن يقع بين قبيلتين تشاحن وتشاجر أو حروب، فأتى رجل من أهل الخير والجاه والشرف والسؤدد، وأصلح بين هاتين القبيلتين بدراهم يتحملها في ذمته، فإنا نعطي هذا الرجل المصلح الدراهم التي تحملها من الزكاة، جزاء له على هذا العمل الجليل الذي قام به، الذي فيه إزالة الشحناء والعداوة بين المؤمنين وحقن دماء الناس، وهذا يعطى سواء كان غنيًّا أم فقيراً، لأننا لسنا نعطيه لسد حاجته، ولكننا نعطيه لما قام به من المصلحة العامة.

أما الثاني: فهو الغارم لنفسه، الذي استدان لنفسه ليدفعه في حاجته، أو بشراء شيء يحتاجه يشتريه في ذمته، وليس عنده مال، فهذا يوفى دينه من الزكاة بشرط أن لا يكون عنده مال يوفي به الدَّين.

وهنا مسألة: هل الأفضل أن نعطي هذا المدين من الزكاة ليوفي دينه أو نذهب نحن إلى دائنه ونوفي عنه؟

هذا يختلف، فإن كان هذا الرجل المدين حريصاً على وفاء دينه، وإبراء ذمته، وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين فإنا نعطيه هو بنفسه يقضي دينه، لأن هذا أستر له وأبعد عن تخجيله أمام الناس الذين يطلبونه.

أما إذا كان المدين رجلاً مبذراً يفسد الأموال، ولو أعطيناه مالاً ليقضي دينه ذهب يشتري أشياء لا ضرورة لها فإننا لا نعطيه، وإنما نذهب نحن إلى دائنه ونقول له: ما دين فلان لك؟ ثم نعطيه هذا الدين، أو بعضه حسب ما يتيسر.

السابع: * في سبيل الله *:

وسبيل الله هنا المراد به الجهاد في سبيل الله لا غير، ولا يصح أن يراد به جميع سبل الخير؛ لأنه لو كان المراد به جميع سبل الخير لم يكن للحصر فائدة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة/60. إذ يكون الحصر عديم التأثير، فالمراد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل الله، فيطعى المقاتل في سبيل الله، الذين يظهر من حالهم أنهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، يعطون من الزكاة ما يحتاجون إليه من النفقات والأسلحة وغير ذلك، ويجوز أن تشترى الأسلحة لهم من الزكاة ليقاتلوا بها، ولكن لابد أن يكون القتال في سبيل الله. والقتال في سبيل الله بَيَّنَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، فالرجل المقاتل حمية لوطنه وغير ذلك من أنواع الحميات ليس يقاتل في سبيل الله فلا يستحق ما يستحقه المقاتل في سبيل الله، لا من الأمور المادية الدنيوية، ولا من أمور الا?خرة، والرجل الذي يقاتل شجاعة أي أنه يحب القتال لكونه شجاعاً ـ والمتصف بصفة غالباً يحب أن يقوم بها على أي حال كانت ـ هو أيضاً ليس يقاتل في سبيل الله، والمقاتل ليرى مكانه، يقاتل رياء وسمعة ليس يقاتل في سبيل الله، وكل من لا يقاتل في سبيل الله فإنه لا يستحق من الزكاة؛ لأن الله تعالى يقول: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) والذي يقاتل في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

قال أهل العلم: ومن سبيل الله: الرجل يتفرغ لطلب العلم الشرعي، فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة وكسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها، لأن العلم الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله، بل قال الإمام أحمد رحمه الله: (العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته)، فالعلم هو أصل الشرع كله، فلا شرع إلا بعلم، والله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط، ويتعلموا أحكام شريعتهم، وما يلزم من عقيدة وقول وفعل. أما الجهاد في سبيل الله فنعم هو من أشرف الأعمال، بل هو ذروة سنام الإسلام، ولا شك في فضله، لكن العلم له شأن كبير في الإسلام، فدخوله في الجهاد في سبيل الله دخول واضح لا إشكال فيه.

الثامن: *ابن السبيل *

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير