تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويمتاز الإيضاح بعدّة ميزات ظاهرة: فهو أوفى كتاب في بحوث البلاغة، وهو أوضح الكتب المؤلفة فيها نظامًا وأسلوبًا، وهو كثير البحث والتعمّق والاستنباط لأسرار البلاغة العربية، فوق أنه كتاب تطبيقي جميل في البلاغة العربية، وينتقد فيه كثيرًا من آراء السّكاكي، وهو بعد ذلك غزير المادة، كبير الفائدة في الأدب والنقد والبلاغة والبيان ().

ومنهج القزويني في تيسير درسه البلاغي قائم على تهذيب المسائل وتحقيقها، وترتيب المادة البلاغية وتنظيمها، وإيراد الشواهد وشرحها، وتعريف المصطلحات بالتعاريف الواضحة الموجزة، والتعبير عنها بالأسلوب الواضح من غير تكلّف ولا وعورة، وهو ما يجعله في مقدّمة المناهج التي اتجهت إلى تيسير البلاغة وتبسيطها عند القدماء، ولعلّ هذا هو الذي جعل الدارسين من بعده يهتمون به أشدّ الاهتمام، ويعدونه مرجعهم الأساس في إحراز فنون البلاغة.

وأمّا العلوي فقد كان من البلاغيين البارزين في عصره، وعند الاستقراء والقراءة في تاريخ الدراسات البلاغية، نلحظ أنّه أحدَ أبرز الذين دعوا وسعوا إلى تيسير علوم البلاغة في القديم، وهو الأمر الذي ميّز منهجه في كتابه الطراز عمّا سبقه من كتب البلاغة، قال في بيان منهجه:"يمتاز هذا الكتاب عن سائر الكتب المصنّفة في علم البلاغة بالترتيب الذي يُطلع الناظر من أول وهلة على مقاصده من التسهيل والتيسير، والإيضاح والتقريب، لأنّ مباحث هذا العلم في غاية الدّقة، وأسراره في نهاية الغموض، فهو أحوج العلوم إلى الإيضاح والبيان، وأولاها بالفحص والإتقان" ().

لقد أشار العلوي إلى تلك الصعوبة التي بدأت ملامحها تطغى على الدرس البلاغي في عصره، وأصبحت الحاجة داعية إلى التبسيط والتيسير اللذين يأخذان بأيدي الدارسين إلى معرفة مقاصد هذا العلم وفنونه بأيسر الطرائق، وأفضل السبل، وقد عرض لمنزلة علم البلاغة بين علوم العربية، وصعوبة البحث فيه لما فيه من الغموض ودقّة الرموز، ورأى أنّ كثيرًا من علماء البلاغة، وجهابذة البيان قد خاضوا في تقرير قواعد هذا العلم، وقلّبوها على وجوهها كافة، ولكنّهم أتوا فيها بالغثّ والسمين، والنازل والثمين، وهم في ذلك فريقان:" فريق بسط كلامه فيه نهاية البسط، وخلط فيه ما ليس منه، فكانت آفته الإملال، ومنهم من أوجز فيه غاية الإيجاز، وحذف منه بعض مقاصده، فكانت آفاته الإخلال، ولكنّه أشار إلى أنّ الشيخ عبد القاهر الجرجاني هو مؤسّس قواعد هذا العلم، بما أظهر من براهينه، ورتّب من أفانينه، وبما وضّح من غرائبه، ومشكلاته ()، وكأنّ العلوي بهذا الإطراء يعلن أنّ عهد البلاغة الزاهر هو في كتابات الجرجاني، التي ارتقت بالذوق الأدبي إلى إدراك البيان، بأيسر الطرائق وأوضحها، وأفضل الوسائل وأقربها إلى العقول والأفهام.

وقد وُفق العلوي إلى حدٍّ كبير في مسعاه ومنهجه، على الرغم من سيطرة النزعة الكلامية، وأسلوب الخطاب السائدين في عصره على جوانب من كتاباته، فقواعد البلاغة معروضة بصورة هي أفضل ترتيبًا وأسلوبًا ومنهجًا ممّا نجده عند السّكاكي، والقزويني، ومن سار على نهجهما من الشرّاح والملخّصين، ومع أنّه لم يطّلع على كتابي عبد القاهر الجرجاني "الدلائل" و"الأسرار"، إلاّ أنّه كان معجبًا بهما، وقد أفاد ممّا نُقل منهما في الكتب التي اطّلع عليها، وخاصّة كتاب المثل السائر لابن الأثير.

ويستند تيسير البلاغة عند العلوي على ثلاثة عناصر هي: تنظيم المادة البلاغية، وتحديد المصطلحات البلاغية بأسلوب جديد، وإيراد الشواهد والأمثلة من النصوص المتنوّعة وتحليلها، وسنعرض لهذه العناصر بشيءٍ من الإيضاح لبيان أهمّيتها في جهود تيسير الدرس البلاغي في كتب التراث.

(أ) تنظيم المادة البلاغية:

أراد العلوي أن يكون درسُه البلاغي متميّزًا بالتيسير والإيضاح، ولا يتيسّر ذلك إلاّ باتباع منهجٍ في التأليف قائمٍ على ترتيب وتبويب مناسبين لهذه الغاية، لكي يكون فيه عونٌ للطالب على سهولة الوصول إلى مطلوبه، وقد كان العلوي على علمٍ بقصور كثير من المؤلفات البلاغية في هذا الشأن، وخلوّها من الترتيب الجيّد للمسائل، والتبويب المتوازن للموضوعات، وكان يعلم أنّ من عناصر التجديد التي يمكن أن يضيفها، ويجعلها مَيزة في كتبه حسن توزيع المادة البيانية وترتيبها، وهي مَيزة مرتبطة بهدفه من التيسير، وقد أشار إلى ذلك في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير