تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن العناية بتعريف المصطلحات البلاغية وتحديدها ومراجعتها مراجعةً دقيقةً، وبألفاظ واضحة الدلالة لهي من أهمّ الأهداف في تيسير الدرس البلاغي في القديم، كما أنّ تصفية البلاغة ممّا علق بها من مصطلحات، ومسائل بعيدة عن روحها، والسعي إلى توحيد هذه المصطلحات، والأخذ بأكثرها دلالة على الفنّ البلاغي، كلّ ذلك من الملامح الضرورية في تيسير المصطلح البلاغي وتطويره في العصر الحديث ().

(جـ) التنويع في الشواهد وتحليل النّصوص:

لعلّ من السمات الواضحة في منهج العلوي البلاغي الاهتمام الكبير بالشواهد البلاغية، ويتّسع هذا الباب ليشمل نماذج متنوعة من الشواهد التي تأتي في سياق شرح المصطلحات البيانية، ومناقشتها وتوضيحها، وقد اختار العلوي منهجًا فريدًا قائمًا على اختيار الشاهد القرآني أولاً، ثمّ الشاهد من الحديث النبوي الشريف، ثمّ الشاهد من كلام الإمام علي بن أبي طالب، ثمّ الشواهد من كلام العرب شعرًا ونثرًا كما ذكر في السابق، والملاحظ أنّه جعل كلام الإمام علي – رضي الله عنه – في مرتبة ثالثة بعد القرآن الكريم والحديث الشريف، وذلك لمحبّته الشديدة لآل البيت الذين ينتسب إليهم، وهو ما عليه كذلك مذهب الزيدية الذي ينتمي إليه، ثمّ لإيمانه ويقينه ببراعته في الفصاحة والبيان ().

وقد اقتضى منه هذا المنهج أولاً: تقديمَ شواهد النثر على شواهد الشعر، وثانيًا: ذكر نماذج أخرى من النصوص التي لم يذكرها غيره من البلاغيين في الاستشهاد وتوضيح المسائل، وقد كان العلوي مجدّدًا في هذا الجانب، حيث أضاف إلى درسه البلاغي ما رآه محقّقا للتيسير والوضوح، وفضلاً على ذلك لم يكتفِ بإيراد هذه الشواهد، بل قام بتحليلها تحليلاً أدبيًا، للكشف عن بلاغتها، وهو بعمله هذا يختلف عن كثير من البلاغيين المعاصرين له ().

وهذا المنهج في حقيقته هو عودٌ إلى طريقة شيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجاني، الذي ذاع صيته بمنهجه البارع في اختيار الشواهد وتحليلها، والسعي إلى استجلاء مواطن الجمال فيها.

ولعلّ الإكثار من الشواهد والأمثلة من النصوص الأدبية القديمة والمعاصرة له، ثمّ تناولها بالتحليل والشرح يدلّ على ذوق العلوي في حسن الاختيار أولاً، ثمّ في براعته في الشرح والتحليل ثانيًا، انظر كيف تمّ له اختيار شاهد من القرآن الكريم في باب الكناية، وهو قوله تعالى:"أيحبُّ أحدُكم أن يأكلَ لحمَ أخيهِ ميتًا فكرهتموه" (الحجرات:12)، وقد حلّلها مستخرجًا ما فيها من نكتٍ بلاغية، وأسرارٍ تركيبية، فمن ذلك قوله:"قوله تعالى "أيُحبّ أحدكم"، إنّما جعله محبوبًا لما جُبلت عليه النفوس، ومالت إليه الأهواء من الإسراع إلى الغيبة، والإصغاء إلى من يتحدّث بها، مع ما فيها من الحَظرِ، ووعيد الشرع، فلهذا صدّرها بالمحبة، مشيرًا إلى ما ذكرناه، ويؤيّد ما ذكرناه أنّه أتى فيها بلفظ المحبّة، ولم تجئ بلفظ الإرادة، دالاً بذلك على موقعها في النفوس، وتطلّع الخواطر إليها، ولفظ الإرادة يُعطي هذا المعنى، ولا يتمكّن في الأفئدة تمكّن المحبّة؛ فلهذا آثره" ().

ولعلّ منهج العلوي هذا ينسجم تمامًا مع دعوته إلى تيسير البلاغة، فاختيار النصوص بعناية، وتذوّق البلاغة فيما استحدث من فنون أدبية تعبّر عن الحياة المعاصرة، ثمّ تحليل تلك النصوص تحليلاً أدبيًا بعيدًا عن التقعيد، قريبًا إلى الفطرة والطبع، لإدراك ما فيها من قيمٍ معنوية، وفوائدَ أسلوبية، كلّ ذلك من العناصر الأساسية في تيسير البلاغة عند العلوي.

خاتمة:

خلُصت هذه الدراسة إلى أنّ تيسير البلاغة قضيةٌ قد عرض لها البلاغيون القدماء في كتاباتهم ودراساتهم، وذلك لأسباب يتعلّق بعضها بالتعقيد والغموض اللذين لحقا ببعض مسائلها ومصطلحاتها، وقد بدأ الاتجاه نحو التيسير بعد ظهور بلاغة السّكاكي الصعبة في طرائقها - التي كانت تلخيصًا وامتدادًا لبلاغة عبد القاهر – ومن ثمّ انتشارها في الآفاق، وعناية العلماء بها تهذيبًا وتيسيرًا وتلخيصًا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير