تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الملوك فكيف برب العالمين؟ , من أجل ذلك حسن التعريض هاهنا.

2. قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) , لقد كان نبي الله أيوب عليه السلام مضرب المثل في الصبر على البلاء, وكانت قصته فيما نزل به وصبر عليه أروع قصص الابتلاء فهو إذ ينادي ربه في أولي هاتين الآيتين لا يجأر بالشكوى إلى ربه مما نزل له من ضر بل إنه ليستحي أن يسأله سبحانه صراحة كشف هذا الضر وإزاحته عن كاهله ومن ثم سلك إلى هذا السؤال مسلكاً تعريضياً يجسد أروع تجسيد جميل صبره ولطف توسله وعظيم تأدبه مع خالقه, إنه عليه السلام بهذا النداء يطلب عون خالقه ويستمطر سحائب رحمته .. ولكنه حياءً منه وتأدباً لا يصرح بهذا المطلوب بل يعرّض به عن طريق ذكر ربه بغاية الرحمة وذكر نفسه بما يوجبها فكأنه من خلال هذا النداء يقول: أنت يا خالقي .. أهل لأن ترحم وأيوب أهل لأن يُرحَم.

3. قال تعالى: (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ* قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) , لقد وقع هذا الحوار بعد أن قام سيدنا إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه بتحطيم أصنام قومه إلا كبيرها الذي تركه معلقاً الفأس في رأسه: (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) , والتعريض هنا ماثل في قوله تعالى: (بل فعله كبيرهم) , فسيدنا إبراهيم عليه السلام لم يرد بهذا القول نسبة فعل التحطيم حقيقة إلى كبير الأصنام إنما أراد أن ينسبه إلى نفسه على نحو تعريض يحقق به الغرض الذي يهدف إليه في هذا الموقف وهو السخرية من هؤلاء القوم والتهكم بعقولهم الضالة ومعتقداتهم الزائفة التي زينت لهم أن يعبدوا من دون الله تلك الأصنام التي يعرفون يقيناً أن كبيرهم لا يستطيع أن يفعل شيئاً بل إنها جميعاً لا تستطيع أن تنطق فضلاً أن تنفع أو تضر.

قال جاد الله الزمخشرى في تفسيره (الكشاف حـ 3/ 15) هذا من معاريض الكلام فإن قصد إبراهيم صلوات الله عليه لم يكن أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الضم إنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريض يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتاباً بخط رشيق وأنت شهير بحسن الخط: أأنت كتبت هذا؟) وصاحبك أمي لا يحسن الخط ولا يقدر إلا على خرمشة فاسدة فقلت له: بل كتبته أنت .. كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي أو المخرمش لأن إثباته – والأمر دائر بينكما – للعاجز منكما إستهزاءً به وإثبات للقادر.

4. قال تعالى: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) , فليس الغرض من هذه الآية أن يعلم السامعون ظاهر معناها ولكن أن يذم الكفار وأن يقال أنه من فرط الفساد ومن غلبة الهوى عليهم في حكم من ليس بذي عقل وإنكم أن طمعتم منهم في أن ينظروا ويتذكروا كنتم كمن طمع في ذلك من غير أولي الألباب, وكذلك قوله: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) , وقوله عز اسمه: (إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ) , ثم إن العجب في هذا التعريض لا يحصل من دون (إنما) فلو قلت يتذكر (أولوا الألباب) لم يدل على ما دلت عليه الآية والسبب في ذلك أن هذا التعريض إنما وقع بأن كان من شأن (إنما) أن تضمن الكلام معنى النفي من بعد الإثبات .. والتصريح بامتناع التذكر ممن لا يعقل وإذا أُسقِطَت من الكلام فقيل: (يتذكر أولوا الألباب) , كان مجرد وصف لأولي الألباب بأنهم يتذكرون ولم يكن فيه معنى نفي التذكر عمن ليس منهم. (دلائل الإعجاز ص 272 – 273) , بتصرف يسير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير