و قال أيضا في بغية المرتاد ص 223 في رده على الغزالي في كتابه " جواهر القرآن ": ( .. ثم قوله بعد ذلك: (و منها الملائكة الأرضية الموكلة بجنس الإنسان وهي التي سجدت لآدم) و زعم أن ملائكة السموات والكروبيين لم يسجدوا لآدم = هو أبعد قول عن أقوال المسلمين واليهود والنصارى فإن القرآن قد أخبر أنه سجد الملائكة كلهم أجمعون فأتى بصيغة العموم ثم أكدها تأكيدا بعد تأكيد فليت شعري إذا أراد المتكلم الأخبار عن سجود جميع الملائكة هل يمكنه أبلغ من هذه العبارة .. ؟).
ـ[ابن العربي]ــــــــ[03 - 02 - 2005, 01:53 م]ـ
الثاني: قول ابن القيم في البدائع (1/ 227): (فإن قيل: ولم لم تقدم أجمع كما قدم كل.
قيل: الجواب أن فيه معنى الصفة لأنه مشتق من جمعت فلم يكن يقع تابعا بخلاف كل و من أحكامه أنه لا يثنى ولا يجمع على لفظه.
أما امتناع تثنيته فلأنه وضع لتأكيد جملة تتبعض فلو ثنيته لم يكن في قولك أجمعا توكيد لمعنى التثنية كما في كليهما لأن التوكيد تكرار المعنى المذكور إذا قلت درهمان أفدت أنهما اثنان فإذا قلت كلاهما كأنك قلت اثناهما ولا يستقيم ذلك في أجمعان لأنه بمنزلة من يقول أجمع وأجمع كالزيدان بمنزلة زيد وزيد فلم يفدك أجمعان تكرار معنى التثنية وإنما أفادك تثنية واحدة بخلاف كلاهما فإنه ليس بمنزلة قولك كل وكل وكذلك اثناهما المستغنى عنه بكليهما لا يقال فيهما اثن وإثن فإنما هي تثنية لا تنحل ولا تنفرد فلم يصلح لتأكيد معنى التثنية غيرها فلا ينبغي أن يؤكد معنى التثنية والجمع إلا بما لا واحد له من لفظه كيلا يكون بمنزلة الأسماء المفردة المعطوف بعضها على بعض بالواو وهذه علة امتناع الجمع فيه لأنك لو جمعته كان جمعا لواحد من لفظه ولا يؤكد معنى الجمع إلا بجمع لا ينحل إلى الواحد.
فإن قيل هذا ينتقض بأجمعين و أكتعين فإن واحده أجمع وأكتع.
قيل سيأتي جوابه وإن شئت قلت إن أجمع في معنى كل وكل لا يثنى ولا يجمع إنما يثنى ويجمع الضمير الذي يضاف إليه كل.
وأما قولهم في تأنيثه جمعاء فلأنه أقرب إلى باب أحمر وحمراء من باب أفضل وفضلى فلذلك لم يقولوا في تأنيثه جمعى ككبرى؛ و دليل ذلك أنه لا يدخله الألف واللام ولا يضاف صريحا فكان أقرب إلى باب أفعل وفعلى و إن خالفه في غير هذا.
وأما أجمعون وأكتعون فليس بجمع لِ أجمع وأكتع و لا واحد له من لفظه وإنما هو لفظ وضع لتأكيد الجمع بوزن الإسمين بمنزلة أثينون تصغير الإثنان فإنه جمع مسلم ولا واحد له من لفظه والدليل على ذلك أنه لو كان واحد أجمعين أجمع لما قالوا في المؤنث جمعاء لأن فعل بفتح العين لا يكون واحده فعلاء وجمعاء التي هي مؤنث أجمع لو جمعت لقيل جمعاوات أو جمع بوزن حمر.
وأما فعل بوزن كبر فجمع لفعلى وإنما جاء أجمعون على وزن أكرمون وأرذلون لأن فيه طرفا من معنى التفضيل كما في الأكرمين والأرذلين وذلك أن الجموع تختلف مقاديرها فإن كثر العدد احتج إلى كثرة التوكيد حرصا على التحقيق ورفعا للمجاز
فإذا قلت: جاء القوم كلهم و كان العدد كثيرا توهم أنه قد شذ منهم البعض فاحتيج إلى توكيد أبلغ من الأول فقالوا أجمعون أكتعون فمن حيث كان أبلغ من التوكيد الذي قبله دخله معنى التفضيل ومن حيث دخله معنى التفضيل جمع جمع السلامة كما يجمع أفعل الذي فيه ذلك المعنى جمع السلامة ك أفضلون ويجمع مؤنثه على فعل كما يجمع مؤنث ما فيه من التفضيل وأما أجمع الذي هو توكيد الإسم الواحد فليس فيه من معنى التفضيل شيء و كان كباب أحمر، و لذلك استغنى أن يقال كلاهما: أجمعان، كما يقال كلهم أجمعون؛ لأنّ التثنية أدنى من أن يحتاج إلى توكيدها إلى هذا المعنى، فثبت أن أجمعون لا واحد له من لفظه؛ لأنه توكيد لجمع من يعقل، و أنت لا تقول فيمن يعقل جاءني زيد أجمع، فكيف يكون جاءني الزيدون أجمعون جمعا له، و هو غير مستعمل في الإفراد وسر هذا ما تقدم وهو أنهم لا يؤكدون مع الجمع والتثنية إلا بلفظ لا واحد له ليكون توكيدا على الحقيقة لأن كلا جمع ينحل لفظه إلى الواحد فهو عارض في معنى الجمع؛ فكيف يؤكد به معنى الجمع والتوكيد تحقيق وتثبيت ورفع للبس والإبهام فوجب أن يكون مما يثبت لفظا ومعنى وأما حذف التنوين من جمع فكحذفه من سحر لأنه مضاف في المعنى).