تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأعلنتها صراحة، فما زادها ذلك إلا خيبة وخسرانا، ونلمسه، أيضا، في كثير من مجتمعات المسلمين، وإن كان حالها أحسن، إذ آثار النبوات فيها محفوظة لم تنلها يد التحريف والتبديل، وإن نالتها يد التنحية والتغييب، فكثير منها قد صار الغرب له فتنة، كما صار هو للغرب فتنة، فالغرب بمدنيته ينظر إليه بازدراء، ولسان حاله: (أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا)، وهو ينظر إليه بانبهار ولسان حاله: (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، فسوء حاله منفر من ملته، مع أنه لم يلتزم أحكامها ليحكم عليها بصحة أو بطلان من خلاله، فلم يقم بأمرها أصلا، بل سر فساد حاله هو إعراضه عنها، ولكن أغلب الناظرين إنما يحكمون على الظاهر، فلا يعرفون الحق إلا بالرجال، وفي المقابل ينظر هو إلى الغرب بنفس العين فلا يرى إلا ظاهرا خلابا للألباب يخفي وراءه باطنا قد بلغ الغاية من الفساد، فيعرف الحق بصور رجال قد بلغوا الغاية في تحصيل أسباب الدنيا وليس لهم من أسباب الدين نصيب، فصورهم جميلة وقلوبهم قبيحة، وأخلاقهم نفعية، إذ مرادهم إصلاح أمر الدنيا بلا دين، ولو أرادوا بتلك الأخلاق الدين لجاءتهم الدنيا، فصلاحها لصلاح الدين تبع، والأخلاق إنما تكون كاملة إذا كانت: أخلاقا ربانية يتخلق بها المكلف ديانة، ولا يكون ذلك إلا فرها عن تصور صحيح نافع للإلهيات يصدر عنه حكم صالح في العبادات والمعاملات والسياسات والسلوكيات الفردية والجماعية، وأخلاق أوروبا تحفظ النظام العام في الجملة وإن كان في إطلاق ذلك نوع تجوز، إذ معدل الجرائم المتعدية إلى بقية أفراد الجماعة قد بلغت معدلات قياسية، فرعا عن تصورهم الفاسد لمعنى الحرية، ولكنها بالتأكيد لا تحفظ النظام الخاص للفرد، فجملة الأفراد يعانون من فساد الأحوال الباطنة، وهي عند التحقيق سر السعادة أو الشقاء، وإن استقامت لهم الأحوال الظاهرة، مع إطلاق ذلك أيضا فيه نوع تجوز، فإن المجاهر بالفواحش المغلظة من زنا وشذوذ وتعاطي للخمور ......... إلخ لا يمكن أن يحكم على حاله الظاهر بالاستقامة لمجرد أنه يفي بوعوده، ولا يكذب في حديثه ....... إلخ من الأخلاق العامة التي سبقت الإشارة إليها، والتي جاءت النبوات بتقريرها وتفصيلها فليس قدحا فيها أن كثيرا من المنتسبين إليها خونة كذابون!.

نعيب زماننا والعيب فينا

وقد يقال على وزانه:

يعاب ديننا والعيب فينا وليس لديننا عيب بل العيب كل العيب فينا.

ومن صلح حاله من أفراد تلك المجتمعات في الأفعال والتروك الظاهرة، فإنما ذلك أثر من آثار الفطرة الربانية الأولى، وأولئك، غالبا، أسرع الناس إلى إجابة دعوة النبوات إذا عرضت عليه بلا تشويه أو تشويش، فتصادف فطرة الوحي المفصلة فطرة سليمة مجملة فيقع القبول بإذن الله، عز وجل، ولذلك لا تجد المسلمين من الأوروبيين، في الغالب، إلا أصح القوم عقولا وأسلمهم فطرة وإقبال تلك الطبقة الإنسانية الراقية على دين الإسلام شهادة له بالصحة، فما عرضت مقالة الإسلام على صاحب فطرة سليمة بعبارة صحيحة المعنى وجيزة المبنى إلا صادفت قبولا إذ لا تكلف فيها بانتحال المحالات وتكلف التأويلات الخارجة عن حدود المنقول والمعقول انتصارا لها.

وتأمل ذلك في مقابل تأمل أحوال المرتدين من المسلمين، فهم من أفسد الناس حالا وأجهلهم بالشرع وأقلهم نفعا فلا يكاد يوجد هذا الصنف إلا في أوساط المنتفعين بعرض زائل ومثل هذا الصنف عالة على الأديان إذ لا خير يرجى منه فلا يعدو كونه ممن يبيع دينه لمن يدفع أكثر!

تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ: جريان على ما اطرد من الحذف انتقالا إلى محط الفائدة إيجازا واختصارا فنفس المخاطب تتشوف في كل فقرة إلى معرفة الجواب إذ فيه الجزاء الذي يرغب في نيله كل عاقل:

وفيه أيضا ما تقدم من الجناس والمقابلة، ومعرفة العبد لربه على نوعين:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير