تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معرفة عامة: وهي المعرفة التي يصح بها العقد الأول إذا انضاف إليها التصديق والإقرار، فليس مجرد المعرفة منجيا، وإلا نجا إبليس وصار سلطان العارفين!، فهو من أعرف الناس لربه، عز وجل، ولكنه لم يقر ويذعن، بل أبى واستكبر فكان كفره كفر استكبار وإعراض عن قبول الحق، فالمعرفة، بخلاف ما قرر الفلاسفة، ليست السبب في سعادة النفوس ولذتها حتى ينضاف إليها العمل بموجبها، فاللذة العلمية: جزء لا كل، إذ ما ثمرة علم بلا عمل؟!، وتصديق بلا امتثال؟!، فمدار السعادة والكمال على: تصديق الخبر وامتثال الأمر، فالمعرفة العامة: لبنة أولى.

والمعرفة الخاصة: بانقياد القلب واللسان والجوارح لبنة ثانية، مرادة لذاتها، فالأولى: أساس لا يصح البناء إلا عليه، والثانية: بناء لا ينتفع بالأساس إلا بإقامته عليه، إذ ما جدوى إقامة أساس بلا بنيان، وإن كان عقد القلب بالتصديق: مطلق إيمان يخرج المكلف عن حد الكفران، وإن لم يوعد صاحبه بالنجاة ابتداء، فهو تحت المشيئة إن قصر في تحصيل أسباب الإيمان المنجي من صالح أعمال القلب واللسان والجوارح الواجبة، فتاركها ناقص الإيمان بقدر تفريطه فيها، بل قد يخرج عن حد الإيمان بتخلف بعضها لا سيما أعمال القلوب من متعلقات صفات الجمال من: رجاء لرحمة ربانية، إذ اليأس مئنة من الظلم والكفران، مصداق قوله تعالى: (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، ومتعلقات صفات الجلال من خوف وخشية .......... إلخ فانتفاء تلك المعاني مئنة من نقض عقد المعرفة الأولى.

ومعرفة الرب للعبد على نوعين: على غرار ما تقدم من حفظه له في أمر دينه من الشبهات والشهوات، وحفظه له في أمر دنياه من الآفات.

وطباق الإيجاب بين: "الرخاء" و: "الشدة": يزيد المعنى بيانا، إذ الرخاء مظنة النسيان والتفريط، فلزم التنبيه على فعل العبد فيه على جهة الديانة، والشدة مظنة اليأس والقنوط وإساءة الظنون وقل من ينجو من وساوس الشيطان إذا نزلت به نازلة أو أصابته جائحة، فلزم التنبيه على فعل الرب، عز وجل، فيه على جهة الإعانة. فتلك واضع تطيش فيها العقول وتذهل، وتحل فيها العزائم والهمم وتُفسخ، ولذلك كان سؤال العبد ربَه السلامة والعافية في الدين والدنيا، والتثبيت إذا ما نزل الابتلاء، والنجاة من الفتنة في الدين فكل فتنة بعدها تهون، والموافاة على ملة الإسلام ونحلة أهل السنة، كان ذلك من آكد ما يتوجب عليه لا سيما في زماننا التي راجت فيه الفتن الدينية والدنيوية، وضعفت فيه القلوب والأبدان عن القيام بأمر الألوهية، فصار غزوها واقتحام حصونها على أعدائها يسيرا إلا من ثبت الله، عز وجل، فالثبات لا يكون إلا منه، فلزم إفراده بالدعاء: ثناء وسؤال فـ:

إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ: ولا تسأل غيره، فالسياق دال على الحصر بمعناه وإن لم يدل بلفظه، فهو منزل منزلة: إذا سألت فلا تسأل إلا الله، وتلك منزلة: (إياك نعبد)، إذ المسألة، كما تقدم، أحد نوعي الدعاء وهو في نفسه عبادة بل هو من آكد صورها حتى صح الإخبار بها عنه بصيغة القصر الادعائي إمعانا في التوكيد، في نحو حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنه، مرفوعا: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ)، والعبادة علة غائية، مرادة لذاتها، فقدمت عناية بشأنها وتنويها بذكرها، إذ الغايات أشرف من الوسائل، والمقاصد سابقة في التصور للذرائع، فإن النفس لا تباشر سببا إلا إذا تصورت مسبَبه ابتداء، فلا يشتهي الإنسان الطعام إلا بعد تصور لذة الشبع المقصودة، وإن كانت تالية لسببها في الوجود، فلا يحصل الشبع بمجرد تصوره وإنما يلزم الآكل مباشرة سببه الذي أودع الله، عز وجل، فيه قوة الإفضاء إلى مسَببه. وهذا أصل جليل في باب القدر الكوني، إذ قد أقام الله، عز وجل، الكون على علل: فاعلية هي ذرائع موصلة إلى علل غائية هي المقاصد، فالأكل: علة فاعلية، والشبع: علة غائية، وقد جعل الله، عز وجل، في الأكل قوة الإشباع التي يحدث بها الشبع، فهو سبب مؤثر في إيقاع مسبَبه، ولا استقلال له بهذا التأثير، بل هو كبقية الأسباب المخلوقة لا يوصل إلى مسبَبه إلا باستيفاء شروط وانتفاء موانع، وكل ذلك إنما يجري بأمر الله، عز وجل،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير