تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عز وجل، الذين نفوا أو أولوا صفات كماله فرعا عن أقيسة شمول وتمثيل فاسدة قاسوا فيها الخالق، عز وجل، على المخلوق ففروا من لوازمها بنفي الصفة ابتداء، وكان الأليق في هذا المقام: نفي توهم وقوع الشبه أو التماثل بين كيفية صفة الخالق، عز وجل، وكيفية صفة المخلوق، وإن وقع ذلك في المعنى الكلي الذي اشتقت منه الأسماء المشتركة بينهما: كالسميع والبصير ......... إلخ، فوقوع الشركة في الكليات المطلقة لا يلزم منه وقوعها في الجزئيات المقيدة خارج الذهن، وهذا ما وقع فيه المشبهة والمؤولة إذ فرعوا عن وقوع الاشتراك المعنوي: وقوع الاشتراك الخارجي، فلازم الاشتراك في معنى الصفة الكلي عندهم: وجوب الاشتراك في حقيقتها الخارجية وهذا أمر منتف في عالم الشهادة إذ تتباين صفات المخلوقات وإن جمعها وصف الحدوث، فيد الإنسان غير يد الهر، بل تتباين صفات أفراد النوع الواحد، وإن جمعها الجنس الأعلى والجنس الأدنى فيد زيد غير يد عمر وإن كان كلاهما موجودا آدميا فلا تتصور الشركة بينهما من كل وجه، وإلا كانت اليد واحدة لكائنين اثنين وهذا محال ذاتي، وفي المقابل يتصور الاشتراك المعنوي بينهما من جهة مدلول لفظ اليد: الصفة الذاتية المعهودة، فإذا كان ذلك متصورا في حق مخلوق ومخلوق، فكيف بالخالق عز وجل الذي ليس كمثله شيء والمخلوق، ألا يكون تصور الاشتراك المعنوي مع نفي وقوع الاشتراك أو الشبه الخارجي ثابتا من باب أولى، إذ لا علم لنا بكيفية صفة الخالق، عز وجل، فلم نره ولم نر له نظيرا ولم يصلنا خبر صحيح صريح عن كيفية وصفه وإنما جاءت النبوات بإثبات معاني صفات كماله تفصيلا ونفي النقائص عنه إجمالا، على وزان: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وعليه تحمل نصوص من قبيل: خلق الله، عز وجل، آدم على صورته، فلا يلزم من الاشتراك في معنى الصورة الكلي: وقوع الاشتراك في حقيقتها الخارجية، بل ذلك محال لذاته، على ما تقدم بيانه، وهذا أصل جليل في باب الأسماء والصفات والأفعال الربانية. فالاشتراك في اسم الذات لا يلزم منه الاشتراك في حقيقتها، والاشتراك في الأسماء والصفات والأفعال من جهة المباني اللفظية والمعاني الكلية لا يلزم منه الاشتراك في حقائقها الخارجية، فما وقع التعطيل لصفات الله، عز وجل، بالتشبيه والتأويل إلا فرعا عن التسوية بين الاشتراك في كليهما مع انفكاك الجهة، فلزم من ذلك ما لا يلزم، وما وقع نفي القدر إلا فرعا عن تشبيه أفعال الله، عز وجل، بأفعال عباده، فوضع أولئك لرب العالمين طريقة تحسين وتقبيح للأفعال من جنس الطريقة التي تحسن وتقبح بها أفعال العباد فما يحسن ويقبح منهم يحسن ويقبح من خالقهم، وهذا منتف من جهة التباين في الذات التي تقوم بها تلك الأفعال، فليست ذات الخالق، عز وجل، الكاملة، كذات المخلوق الناقصة، ليقاس ما يقوم بالأولى من الأفعال الربانية على ما يقوم بالثانية من الأفعال البشرية.

والكبرياء والجبروت والعظمة ........... إلخ، من صفات الجلال، على سبيل المثال، مما يذم المتصف به من البشر لنقصانه وضعفه، مع أنها أوصاف كمال ثابتة لله، عز وجل، لكماله وقوته، فقياس التمثيل أو الشمول منتف في هذه الصورة، فيطرد نفيه في بقية الصور.

فالحاصل أن الاشتراك المعنوي من اسمه: قدر معنوي مشترك يلزم لإثبات المعنى الكلي مجردا في الأذهان، ليحصل التصور الصحيح للمعاني التي تدل عليها الألفاظ وإلا كانت الألفاظ عديمة الدلالة على المعاني فتبطل اللغة كأداة فهم!، فلا يفهم أحد من لفظ: "سمع" أو "بصر" أي معنى ذهني، وإنما هي بمنزلة: "ديز" مقلوب: "زيد"!، فمن نفى هذا القدر وقع في التعطيل.

ومع هذا القدر المشترك لا بد من قدر فارق تتمايز به الحقائق خارج الذهن، وهو الكيفية، فلكل كيفية تليق به، فلصورة الله، عز وجل، كيفية تليق بذاته القدسية لا تدركها العقول وإن أدركت القدر المشترك بينها وبين صورة المخلوق، وهو قدر ذهني مجرد، كما تقدم، لا يلزم من إثباته تجسيد أو تمثيل. فمن نفى هذا القدر وقع في التمثيل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير