تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، عز وجل، في محكم التنزيل في نحو قوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)، فتدعى ويستغاث بها في الشدائد، بحجة التوسل بها إلى الله، عز وجل، فهي محض وسائط، لها من صفات الفقر البشري نصيب، ولها من صفات الكمال الرباني نصيب، إذ تسمع المستغيث إذا استغاث بها وتجيب دعوة المضطر إذا لجأ إليها، وذلك عين الشرك الذي وقع فيه قوم نوح عليه السلام، فكان مبدؤه: الغلو في الصالحين بحجة اتخاذهم وسائط يستشفع بها عند الله، عز وجل، على وزان: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) ويتوسل بها إليه مع أنهم: (يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا)، فهم، كمن يتوسلون بهم: فقراء إلى الله، عز وجل، يبتغون إليه الوسيلة الشرعية بصالح العمل، لا بمباشرة عين ما نهى عنه من الذرائع المفضية إلى الشرك، فإذا كان هذا حال المتوسل، فكيف بحال الذي يدعوهم صراحة، مع كونهم أمواتا أو غائبين لا يملكون ضرا ولا نفعا: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ)، و: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ). فكأن عقولهم لم تتحمل غنيا بذاته في مقابل فقير بذاته فجعلوا بينهما واسطة تجمع الوصفين: الغنى الذاتي والفقر الذاتي، مع أنهما متناقضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإما غنى وإما فقر، وإما رب وإما عبد، فهي قسمة ثنائية عقلية لا تحتمل قسيما ثالثا. إذ ذلك عين المحال فالغنى الذاتي في حق المربوب الفقير غير متصور عقلا ولا واقع حسا، فلا ينفك أي عبد، ولو كان عظيما، إلى أسباب توجده، وتعده لقبول آثار أسباب ثالثة يكون بقاؤه بمباشرتها، فهو يتنقل بين أقدار الله، عز وجل، الكونية، شاء أو أبى، فبكلمة تكوينية: يوجد، وبكلمة أخرى: يعدم، وبثالثة: يمرض، وبرابعة: يصح، وإنما جعلت الأسباب لتظهر بها معاني الحكمة الربانية، فيباشرها العبد على وجه التكليف الشرعي، فلكل قدر كوني نافذ: قدر شرعي حاكم، فالسعة عبودية، وللضيق عبودية .............. إلخ.

ومقالة الغلاة في خلع بعض الأوصاف الربانية على بعض العباد المربوبين شعبة من قول النصارى الذين خلعوا بعض صفات الرب، جل وعلا، على المسيح عليه السلام، فالناسوت صورة تجسد فيها اللاهوت أو بعض أوصافه في عالم الشهادة، فصار المسيح عليه السلام: ناسوتا من جهة أوصافه البشرية، لاهوتا من جهة أوصافه الربانية، فهو وسيط بين جنسي: الربوبية والعبودية ظهر في عالم الشهادة ليخلص النوع الإنساني، فصلب فداء له!، وهي مقالة يلزم منها، ما يلزم أي ممثل أو مجسد في باب الصفات الربانية، من وصف الله، عز وجل، بأوصاف النقص التي لا ينفك عنها المخلوق، إذ ظهور الحقيقة الإلهية في صورة مخلوقة يلزم منه أن تفقد من أوصاف كمالها لصالح الصورة المخلوقة ما يقع به الغلو في وصف في تلك الصورة إذ خلعت عليها بعض أوصاف الخالق عز وجل الواجب الوجود، ويلزم منه أن تفقد تلك الصورة لصالح الحقيقة الإلهية ما يقع به الجفاء في وصف الخالق، جل وعلا، إذ خلعت عليه بعض أوصاف المخلوق الممكن الوجود ولازم ذلك وقوع الاتحاد بين الخالق والمخلوق، وذلك مظنة نسبة النقص إلى الله، عز وجل، إذ وصفه بأوصاف العبد المربوب الفقير بذاته، مع كونه جل وعلا على الضد من ذلك فله الغنى والكمال المطلق ذاتا وأسماء وصفاتا: ذلك الوصف هو: عين التنقص للباري، عز وجل، تعالى عما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير