تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[19 - 07 - 2009, 06:41 ص]ـ

ومما يتعلق بهذه المسألة قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ:

فالنداء بـ: "أي": استرعاء لانتباه المخاطبين، فضلا عن دلالة النداء بـ: "يا" المشعر بعلو مكان ومكانة المخاطِب، وغفلة المخاطَب فلزم استرعاء انتباهه.

"الناس": مؤمنهم وكافرهم، فـ: "أل": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، على ما تقرر في مثل هذه المواضع فضلا عن دلالة السياق على ذلك، فوصف الفقر الآتي بيانه، إن شاء الله، وصف عام يشترك فيه كل الناس، بل كل الخلائق، وإن كانت جمادا لا حياة فيها.

أنتم الفقراء: فقرا ذاتيا على وجه الاضطرار، أكد بتعريف الجزأين مع ما لـ: "أل" من دلالة الاستغراق لأوصاف الفقر فلا ينفك الإنسان عن وصف الافتقار إلى الله، عز وجل، إيجادا، فإيجاده ممكن يفتقر إلى مرجح، وهو دليل عقلي صحيح، كما قرر الفلاسفة، وإن لم يكن العمدة في الاستدلال في هذا الباب إذ هو بمنزلة الشاهد العاضد لا الأصل المقرر فالأصل في هذه المسألة: نصوص الوحي التي أثبتت الفقر الذاتي للمخلوق من كل وجه: إيجادا وإعدادا وإمدادا، فوجود الرب عز وجل: واجب، فهو واجب الوجود متصفا بصفات الكمال المطلق أزلا وأبدا، فلم يكن عن وصف الكمال معطلا، ولم يطرأ عليه كمال كان عنه عريا، ولم يطرأ عليه وصف نقص كان منه بريا، ووجود العبد في المقابل: ممكن يفتقر إلى مرجح، كما تقدم، والمرجح لوجوده هو الله، عز وجل، بكلماته الكونيات النافذة: فبـ: "كن": شاء الرب، جل وعلا، إيجاد الكائنات فكانت، فهو البارئ الذي يخرج مقدوراته الكونية من حيز العدم إلى حيز الوجود، وهو المصور الذي يركبها في أي صورة شاء، فلا توجد صورتان متماثلتان من كل وجه، ولو كانتا لتوأمين متماثلين، فلا بد من قدر فارق، ولو في أصل الوجود بين أي موجودين، فخلق الصورة الجميلة وضدها، وخلق الصورة الصحيحة وضدها ........... إلخ ليظهر معنى الربوبية بخلق الأضداد، فلا يعجزه خلق شيء في الأرض ولا في السماء، والشيء هو الممكن القابل للإيجاد فيصح تعلق الإرادة الكونية به، بخلاف المحال الذاتي، وهو القسم الثالث من أقسام الحكم العقلي: فلا تتعلق به الإرادة الكونية، إذ ليس له حقيقة لتتعلق به صفة الرب، جل وعلا، فلا يتصورها العقل على جهة الإمكان، وإن افترضها افتراضا عقليا محضا، ولذلك صح تعلق العلم بها دون القدرة، وفي التنزيل: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وذلك محال ذاتي، إذ الشرك في الألوهية لا حقيقة له بدليل انتظام أمر العالم وفق سنن كونية متقنة، فلم يفسد لتصح دعواهم، فصار التمانع في الربوبية الكونية، وهو: واجب عقلي، دليلا على وجوب التمانع في الألوهية الشرعية: وهو واجب شرعي، فالعقل الصريح يدل وجوب إفراده، جل وعلا، بالألوهية تصديقا بالخبر وامتثالا للأمر، فضلا عن دلالة النص الصحيح ابتداء، فلا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح فضلا عن دلالة الفطرة المركوزة في قلوب المكلفين، فهي تدرك معاني الكمال لله، عز وجل، وصفة العلو خير شاهد على ذلك فالضرورة القائمة في كل نفس ولو كانت كافرة تُوَجِّه القلوب والأبصار إلى السماء حال الشدة، وتدرك وجوب توحيده إجمالا، فتأتي الرسالات لتبين هذا الإجمال بأخبار مصدقة وأحكام متقنة، قد قامت الدلائل النقلية والعقلية على صدق المبعوث بها، فالنبوة هي الأصل الثاني بعد التوحيد، إذ هي الطريق إلى معرفته على وجه التفصيل الذي تحصل به النجاة، وهي من جهة أخرى: الطريق الآمن إلى معرفة الأصل الثالث: الإيمان باليوم الآخر وما فيه من أمور لا تدرك إلا بالسمع، أيضا، فدار الجزاء: ضرورة عقلية، ولكن دلالة العقل عليها كدلالته على الإلهيات: دلالة إجمالية كلية، فلا يستغني عن خبر النبوات في تبيين ذلك الإجمال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير