تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وافتقار العبد إلى الفوز بالنعيم والنجاة من العذاب: افتقار ذاتي أصيل، فكل يبحث عن السعادة وطرد الهم، إذ ذلك قدر مشترك أجمع عليه عقلاء الأمم، ولكنهم اختلفوا في القدر الفارق: في طرق تحصيل تلك الغاية، فرعا عن تفاوتهم في علوم النبوات، فمن الأمم ما ليس لها حظ من النبوة، ولو أثرا دارسا، فتلك لا ترى السعادة إلا في مباشرة الشهوات الحسية دفعا للآلام النفسانية التي لا يسلم منها معرض عن الوحي بجهل أو جحود .......... إلخ، على حد قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، وذكره، عز وجل، هو تسبيحه وتكبيره ......... فيكون من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، أو هو وحيه: كلماته الشرعيات الهاديات أخبارا وأحكاما التي نزل بها الرسول الملكي على قلب الرسول البشري، فيكون من إضافة المصدر إلى فاعله، إذ ابتداء غاية الوحي من الله، عز وجل، تكلما على الوجه اللائق بجلاله، وانتهاء غايته: قلب الرسول البشري بواسطة الروح الأمين الذي وكل بالوحي نجوما منزلة: فمن أعرض عن وحيه: تلاوة باللسان قولا وتلاوة بالجوارح فعلا، فله ضنك العيش في الأولى والآخرة، وذلك ضد ما سعى إليه من طرد الهموم بمباشرة اللذات، إذ يعقبها من فساد الحال ما يعقبها، بل إنها لو كانت حلالا خالصا ما سلم مباشرها من نوع فتور وثقل، واعتبر بحال الإنسان بعد تناول الطعام، لا سيما إن أفرط فيه كما أو كيفا، اعتبر بحاله وما يعتريه من ثقل بدن وكثافة طبع، ولو كان المطعوم حلالا خالصا، فكيف إذا كانت اللذة حراما؟!، ومع فساد الحال في الأولى: فساد حال في الآخرة، وذلك الخسران الأعظم، فكل مصيبة بعد مصيبة الآخرة تهون، ولا ينجو الإنسان من ذلك الفساد إلا بالسير على منهاج النبوة، مادة صلاح هذا الكون أعيانا وأفعالا فرعا عن صلاحه شرائعَ وأديانا، فهي الروح الحافظ من الفساد على حد قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، فشرفها من شرف من صدرت عنه كلماتها صدور الصفة من موصوفها، فهي من جنس أمره، فالوحي، كما تقدم، كلمات شرعية، والأمر: كلمات الرب الكونية والشرعية.

فمن أمره الكوني: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ):

فالأول: واحد الأمور الكائنة التي تقع وفق مشيئة الرب، جل وعلا، الكونية النافذة فهي أمر بمعنى مأمور، على حد قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، أي مأموره فهي من جملة مخلوقاته التي توجد بكلماته التكوينيات النافذة، أو هي على أصلها: من أمره الكوني النافذ، فتكون الصورة من باب إطلاق السبب وهو الكلمة المكوِّنة، وإرادة المسبب وهو: الروح المكوَّنة. ونظيره قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)، أي: مصنوعه إن أريد به المفعول، فهو من باب التعلق الاشتقاقي، إذ أطلق المصدر وأراد اسم المفعول، و: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)، أي: مخلوقه، و: قدر الله، إن أريد به المقدور الكائن لا القدر المكَوِّن.

والثاني: واحد الأوامر الكونية التي بها تكون الكائنات وتقع المقدورات.

ومن أمره الشرعي:

قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، ولا تخلو: "من" في هذا السياق، أي في سياق قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، من دلالة على ابتداء غاية تلك الروح، فالأمر: كونيه وشرعيه ابتداء غايته من الرب العلي تبارك وتعالى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير