أولاً: استدامة ذكر الله
ونعني بذكر الله جملة أمور منها .. ذكره باللسان مع مواطئة القلب لذكر اللسان, والتفكر بمخلوقات الله, والاستدلال بها على عظيم قدرته ودقيق حكمته وعموم رحمته ودوام الافتقار والحاجة إليه, واستحضار رقابته وهيمنته الكاملة على الإنسان وضرورة الحياء منه, إن هذه المعاني لا يمكن تحصيلها بسهولة ويسر لهزيل الروح فلا بد من الصبر والعزم وعدم التضجر والبدأ بتحصيلها شيئاً فشيئاً وكلما حصَل من هذه المعاني شيئاً قويت روحه, وقل هزالها حتى تزول أعراض المرض ويدخل في دور النقاهة ثم الشفاء ثم عند ذلك سيحسُ بلذة هذه المعاني فيزداد إقباله عليها .. إنه يشبه مريض الجسد لا يشتهي الأكلات الطيبة ولا يستطيع أن يأكل منها كثيراً لأنه مريض ولكن بمرور الأيام وبدوام تناول الأطعمة قليلاً قليلاُ يقوى جسده وتزول عنه الأعراض ثم يشفى ثم يغدو صحيح الجسد يقبل على المأكولات الطيبة برغبة وشوق.
ثانيا: استحضار معاني الآخرة وما يجري فيها من الأهوال
يود المرء أن لو استطاع الرجعة إلى الدنيا وانفق عمره كله للنجاة منها لفعل, وما كان مغبونا. ليتفكر المسلم أن أول منازل الآخرة القبر, فليحدق المسلم فيه وليطبع صورته المظلمة في ذهنه, ويستحضر رقدته فيه وحيدا لا أنيس له إلا عمله, إن كان عمله صالحا, وقديما كان لأحد الصالحين العارفين قبر حفره في بيته يدخل فيه بين الحين والحين كلما أحس بقسوة في قلبه يتمدد فيه, ثم يقرأ قوله تعالى:] قال ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت [
ثم يقول ذلك العبد الصالح: يا نفس ها أنت قد رجعت إلى الحياة الدنيا فأعملي صالحا ..
ثالثا: ليتذكر المسلم أن الموت اقرب إليه من شراك نعله
فلا يغره الشباب ولا تخدعه قوته وعافيته فالموت إذا نزل لا يعرف شبابا ولا تمنعه قوة ولا تصده عافية, ومن حكمة الله أن أرانا بأعيننا كيف أن الموت ينزل بالطفل وبالصبي وبالرجل وبالكهل وبالشيخ وبالسقيم, ليتذكر الإنسان انه معرض للموت في كل لحظة فيزداد حذره, ويتأهب لمغادرة الدنيا. والموت أيها المسلم وما أدراك بأهواله وبسكراته.
إن الشيطان ليجمع كل قوته وخبثه ومكره في تلك اللحظات انه يقول لنفسه: إن افلت مني هذا الإنسان فلن اقدر عليه مطلقا فيأخذ بإغرائه بالكفر ويحبب إليه الارتداد ويزين له الدنيا ويذكره بما كان يهواه منها ليصرفه عن الآخرة وحب لقاء الله ليموت كارهاً هذا اللقاء, فيختم له على الكفر نعوذ بالله من الخذلان. روي عن بعض العارفين انه جاءه أصحابه في مرض موته فرأوه يبكي فأخذوا يذكرونه بجميل فعاله وبعظيم رحمة الله فقال لهم: إني لأبكي على إيماني مخافة أن يسلب مني في سكرات الموت. وتوضيح هذه الحقيقة ليس هنا محل تفصيلها, ويكفي أن نقول للمسلم إن استحضار الموت وعدم نسيانه, يجعله يحس تماما بغربته في هذه الدنيا ويتذوق معنا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:] كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور [.
أ - إن هذا الإحساس بالغربة له آثار عجيبة منها:
* يهون على المسلم ما يلقاه في حياته من نكبات وشدائد فالأمر هين والمقام قليل والرحيل قريب.
* الم خفيف وانكسار القلب عن الفرح المذموم وتجاف عن دار الغرور.
* امتداد نظر المسلم إلى موطنه الأصلي: دار الآخرة وعدم الاطمئنان بالحياة الدنيا, ولا الركون إليها فالغريب لا يرى مقامه في دار الغربة إلا مؤقتا وقلبه يتلفت دائما إلى هناك إلى الدار التي تستعصي على الفناء إلى تلك الدار التي سينزلها حتما وليس فيها إلا نعيم أو شقاء .. إلا قرب من الله وتلذذ بالنظر إليه أو بعد وحجاب عنه.
قال تعالى:] وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [,] كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [وإذا تذكر المسلم شقاء الآخرة ارتجف قلبه ووجل فؤاده واصفر وجهه وملك عليه الخوف كل نفسه, والخائف لا بد أن يهرب من الخوف ويلتمس النجاة ولا نجاة إلا بالفرار إلى الله] ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين [وإذا تذكر المسلم الجنة ونعيمها مسته نسمات الأمل والرجاء, ومع الرجاء الحق بذل الجهد الحق الموصول للمأمول.
¥