أصبحت أرضنا رمادًا يا نبي الله. .
كل رفاقي ماتوا احترقوا.
قالت زوجة أيوب عليه السلام:
ـ ما هذه المصائب المتتالية؟!
ـ اصبري يا امرأة. هذه مشيئة الله.
ـ مشيئة الله!!
أجل ..
لقد حان وقت الامتحان ..
ما من نبي إلاّ وامتحن الله قلبه.
نظر أيوب عليه السلام إلى السماء
وقال بضراعة:
ـ الهي امنحني الصبر ...
في ذلك اليوم أمر أيوب عليه السلام
الخدم و العبيد بمغادرة منزله ..
و الرجوع إلى أهاليهم و البحث عن عمل آخر.
و فى اليوم التالى ..
حدثت مصيبة تتكسر أمامها قلوب الرجال ..
لقد مات جميع أولاده البنين والبنات،
حيث اجتمعوا فى دار لهم لتناول الطعام
فسقطت عليهم الدار فماتوا جميعا.
وازدادت محنة أيوب عليه السلام أكثر و أكثر ..
فلقد اُبتلى فى صحته ....
و انتشرت الدمامل فى جسمه ..
وتحول من الرجل الحسن الصورة والهيئة
إلى رجل يفر منه الجميع.
و لم يبق معه سوى زوجته الطيّبة ..
أصبح منزله خالياً لا مال له، لا ولد، و لا صحة ..
عَلَّمَ أيوبُ عليه السلام زوجته
أن هذه مشيئة الله،
وعلينا أن نسلّم لأمره ...
حاول الشيطان عليه لعنة الله
أن ينال من قلب أيوب عليه السلام،
فأخذ يوسوس إليه من كل جانب قائلا:
ماذا فعلت يا أيوب حتى يموت أولادك
وتصاب فى أموالك، ثم تصاب فى صحتك.
فاستعاذ أيوب عليه السلام بالله
من الشيطان الرجيم ..
وتفل على الشيطان الرجيم ففر من أمامه.
وكذلك فعلت زوجته وطردت وساوس الشيطان.
وكان أيوب عليه السلام
لا يزداد مع زيادة البلاء إلا صبرًا وطمأنينة.
(4)
و يأس الشيطان من أيوب و زوجته
الصابرين المحتسبين.
فاتجه إلى أهل حوران ينفث فيهم الوساوس
حتى جعلهم يعتقدون
أن أيوب عليه السلام أذنب ذنباً كبيراً
فحلّت به اللعنة ..
و نسج الناسُ الحكايات و القصص
حول أيوب عليه السلام ..
و تطور الأمرُ أكثر
حتى ظنوا أن في بقائه خطرًا عليهم.
و عقدوا العزم أن يخرجوا أيوبَ من أرضهم ..
وجاءوا إلى منزله ..
لم يكن في منزله أحد سوى زوجته قائلين:
نحن نظنّ أن اللعنة قد حلّت بك
و نخاف أن تعمّ القرية كلها ..
فاخرج من قريتنا و اذهب بعيداً عنا
نحن لا نريدك أن تبقى بيننا.
غضبت زوجته من هذا الكلام قالت:
نحن نعيش في منزلنا
و لا يحق لكم أن تؤذوا نبي الله فى بيته
و فى عقر داره ..
فردُّوا عليها بوقاحة:
إذا لم تخرجا فسنخرجكما بالقوّة.
لقد حلّت بكما اللعنة
و ستعمّ القرية كلها بسببكما ..
حاول أيوب عليه السلام
أن يُفْهِمَ أهل القرية
أن هذا امتحان و ابتلاء من الله،
و أن الله يبتلى الأنبياء ابتلاءات شديدة
حتى يكونوا مثلا و نموذجًا صالحا" لتعليم الناس.
فقالوا له:
و لكنك عصيت الله و هو الذي غضب عليك.
قالت زوجته: انتم تظلمون نبيكم ..
هل نسيتم إحسانه إليكم
هل نسيتم يا أهل حوران الكساء والطعام
الذي كان يأتيكم من منزل أيوب؟!
قال أيوب عليه السلام:
يا رب إذا كانت هذه مشيئتك
فسأخرج من القرية
وأسكن في الصحراء. .
يا رب سامح هؤلاء على جهلهم ...
لو كانوا يعرفون الحق ما فعلوا ذلك بنبيهم ...
هكذا و صلت محنةُ أيوب عليه السلام،
حيث جاء أهلُ حوران و أخرجوه من منزله.
كانوا يظنّون أن اللعنة قد حلّت به،
فخافوا أن تشملهم أيضاً.
نسوا كل إحسان أيوب و طيبته
و رحمته بالفقراء والمساكين!
لقد سوّل الشيطانُ لهم ذلك فاتّبعوه
وتركوا أيوب يعاني آلام الوحدة
والضعف والمرض ..
لم يبق معه سوى زوجته الوفية ..
وحدها كانت تؤمن بأن أيوب في محنة
تشبه محنة الأنبياء
وعليها أن تقف إلى جانبه ولا تتركه وحيداً.
(5)
ضاقت الأحوالُ
فمات الولدُ
و جفَّ الخيرُ
و تصالحت الأمراض و البلايا على جسمه،
فقعد لا يستطيع أن يكسب قوت يومه.
و خرجت زوجته تعمل في بيوت حوران،
تخدم و تكدح في المنازل لقاء قوت يومهما ..
و كانت زوجة أيوب عليه السلام
تستمدّ صبرها من صبر زوجها و تحمّله.
و قد أعدت لأيوب عليه السلام
عريشًا فى الصحراء
يجلس فيه و كانت تخاف عليه من الوحوش
و الحيوانات الضالة،
لكن لا حيلة لهما غير ذلك.
و ظل الحال على ذلك
أعواما عديدة
و هما صابرين محتسبين.
و فى يوم من الأيام ..
¥