و بينما كانت الزوجة الصالحة خارج البيت ..
مرّ رجلان من أهل حوران
_ و كانا صديقين له قبل ذلك _
توقفا عند أيوب عليه السلام و نظرا إليه،
فرأوه على حالته السيئة
من المرض و الفقر و الوحدة ..
فقال أحدهما:
أأنت أيوب! سيد الأرض
- ماذا أذنبت لكي يفعل الله بك هذا؟!
و قال الآخر:
انك فعلت شيئاً كبيراً تستره عنا،
فعاقبك الله عليه.
تألّم أيوب عليه السلام.
إن الكثير يتهمونه بما هو برئ منه.
قال أيوب عليه السلام بحزن:
و عزّة ربي إنّه ليعلم ببراءتى من هذا.
تعجّب الرجلان من صبر أيوب عليه السلام،
و انصرفا عنه في طريقهما
و هما يفكّران في كلمات أيوب عليه السلام!
أما زوجته الصالحة
فقد بحثت عمّن يستخدمها في العمل،
و لكن الأبواب قد أُغلقت في وجهها. .
و مع ذلك لم تمدّ يدها لأحد.
و تحت ضغط الحاجة والفقر،
اضطرت أن تقص ضفيرتيها
لتبيعهما مقابل رغيفين من الخبز
ثم عادت إلى زوجها
و قدّمت له رغيف الخبز
عندما رأى أيوب عليه السلام
ما فعلت زوجته بنفسها شعر بالغضب.
حلف أيوب عليه السلام أن يضربها
على ذلك مائة ضربة،
و لم يأكل رغيفه
و كان غاضباً من تصرّفها،
ما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك.
(6)
و رغم أن زوجة أيوب عليه السلام
طلبت منه كثيرا أن يدعوا الله
لكى يزيح عنه هذا البلاء
الذى استمر هذه السنوات العديدة
فكان يرفض أن يشكو الله تعالى.
ووتحمل المرض و البلايا ..
و تحمل اتهامات الناس.
لكن بيع زوجته لضفيرتيها هزه من الداخل ..
فنظر إلى السماء وقال:
يا رب إنّي مسّني الشيطان بنصبٍ وعذاب.
يا رب بيدك الخير كله و الفضل كله
و إليك يرجع الأمر كله ..
و لكن رحمتك سبقت كل شئ ..
فلا أشقى و أنا عبدك الضعيف بين يدك ..
رب مسنى الضر و أنت أرحم الراحمين ..
و هنا ....
أضاء المكان بنور شفاف جميل
و امتلأ الفضاء برائحة طيّبة،
و رأى أيوب ملاكاً يهبط من السماء ي
سلم عليه و يقول:
نعم العبد أنت يا أيوب
إن الله تعالى يقرئك السلام و يقول:
لقد أُجيب دعوتك و أن الله يعطيك أجر الصابرين ..
اضرب برجلك الأرض يا أيوب!
و اغتسل في النبع البارد
و اشرب منه تبرأ بإذن الله.
غاب الملاك،
وشعر أيوب بالنور يضيء في قلبه
فضرب بقدمه الأرض،
فانبثق نبع بارد عذب المذاق ....
ارتوى أيوب عليه السلام من الماء الطاهر
و تدفقت دماء العافية في وجهه،
و غادره الضعف تماماً.
و بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا
خر عليه رِجْلُ جَرَادٍ من ذهب
فجعل يحثي في ثوبه.
فناداه ربه:
يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟
قال بلى يا رب،
و لكن لا غنى لي عن بركتك ..
خلع أيوبُ عليه السلام ثوب المرض و الضعف
و ارتدى ثياباً تليق به،
يملؤها العافية والسؤدد.
و شيئاً فشيئاً ..
ازدهرت الأرض من حوله و أينعت.
عادت الصحة والعافية ..
عاد المال ..
و دبت الحياة من جديد.
عادت الزوجة تبحث عن زوجها فلم تجده
و وجدت رجلاً يفيض وجهه نعمة
و صحة و عافية.
فقالت له باستعطاف:
ـ ألم ترَ أيوب. . أيوب نبي الله؟!
ـ أنا أيوب .
ـ أنت؟! إن زوجي شيخ ضعيف ..
و مريض أيضاً!
ـ المرض من الله والصحة أيضاً ..
و هو سبحانه بيده كل شيء.
ـ نعم .. لقد شاء الله أن يمنّ عليّ بالعافية
وأن تنتهي محنتنا!
و أمرها أن تغتسل فى النبع،
لكى يعود إليها نضارتها وشبابها.
فاغتسلت في مياه النبع
فألبسها الله ثوب الشباب والعافية.
و رزقهما الله بنينا و بنات من جديد ..
و وفاء بنذر أيوب عليه السلام
أن يضرب زوجته مائة ضربة
أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا
و هو ملء اليد من حشيش البهائم،
ثم يضربها به فيوفى يمينه و لا يؤلمها،
لأنها امرأة صالحة لا تستحق إلا الخير.
و كان أيوب عليه السلام
واحدًا من عباد الله الشاكرين فى الرخاء،
الصابرين فى البلاء،
الأوَّابين إلى الله تعالى فى كل حال.
و عَرِفَ الناسُ جميعًا قصةَ أيوب عليه السلام
و أيقنوا أن المرض و الصحة من الله
و أن الفقر و الثراء من الله.
قال تعالى:
(فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
سورة الأعراف آية 176
و ذكر الله قصته فى القرآن الكريم
فقال تعالى:
(وَ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ
وَ أَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ
وَ آتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ
رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَ ذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
سورة الأنبياء الآية: 83 و 84
و قال تعالى:
(وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ
أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ *
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَ شَرَابٌ *
وَ وَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا
وَ ذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ *
وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَ لَا تَحْنَثْ
إِنَّا وَ جَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
سورة ص الآية: 41 ـ 44
فسبحان الله العظيم
و عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ. إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ
وَ لَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ
فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ
اختصرته لكم يا أهل الفصيح من كتاب دلائل الصبر
¥