تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

صورة من صور الولاء والبراء، فلا بد أن يقابلها بمقتضى سنة التدافع: صورة ولاء وبراء مضادة، فيحب من سلمت فطرته النقاب والحجاب ويكره العري، فيقع الصدام بينهما لا محالة، فصراع الحضارات: حقيقة، بل إن هذا الكون لا ينتظم أمره إلا بذلك فـ: (لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، ولا يعني ذلك إكراه الناس على قبول الحق فـ: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، وإنما يعني النظر بعين التدبر في سنن الرب، جل وعلا، في كونه، وإعداد القوة المعقولة والمحسوسة لرد عدون الآخر!، فلئن قعدنا فلن يقعد، فلو قعد أهل الحق عن طلب أهل الباطل، فلن يقعد أهل الباطل عن طلب أهل الحق، فجهاد الطلب واقع لا محالة، سواء وقع منا كما في الأزمان السالفة، أو وقع منهم كما في الأزمان الحالية، فجهادهم لنا في عقر دارنا عسكريا وثقافيا، وهو الأخطر، وسياسيا واقتصاديا أمر لا ينكره إلا غافل أو معاند متواطئ.

فلا يوجد في هذه الدنيا سلام يدوم أو ود يصفو من الكدر فإن ذلك مما لم تطبع عليه هذه الدار، بمقتضى سنة الابتلاء فـ: (جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، فابتلي المؤمن بالكافر ليجاهده، ولا يعني ذلك التعدي بالظلم على الغير، لكن شاهد الحس والفطرة قد قام على أنه لا حياة في هذا الكون بغير تدافع، فليست هذه الدار دار: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)، فذلك لا يكون إلا في جوار الرحمن، جل وعلا، إذ لا ابتلاء بعدو، بل نعيم قد صفا مما يكدره، فمن أراد الحياة في هذه الدار بسنة دار النعيم فلم يبغض مخالفه، فليراجع فطرته قبل أن يراجع دينه، فالبغض للأعيان والأفعال المخالفة للشرع أمر قد استقر في قلب كل معظم للديانه فيبغض الكافر ويبغض كفره، فإذا تحول إلى الإيمان زال الحكم لزوال علته، بل انقلب إلى ضده، فقد كره عمر الفاروق، رضي الله عنه، عمير بن وهب، رضي الله عنه، حتى كان كلب أحب إليه منه! وتلك غاية البغض في الله، فلما أسلم عمير، رضي الله عنه، صار أحب إليه من بعض ولده!، فتلك غاية الحب في الله، فالبغض ليس لمجرد البغض، بل هو انتصار لدين الرب، جل وعلا، فتلك حقيقة الابتلاء في هذه الدار، فقد ابتلي المؤمن بالكافر ليستخرج الرب، جل وعلا، بذلك منه عبوديات الصبر والجهاد ..... إلخ، فبلا بغض في الله، كما يراد اليوم باسم الحوار مع الآخر، ذلك الأطرش الذي لا يسمع إلا ما يعجبه!، فبلا ذلك البغض كيف تظهر تلك العبوديات، وكيف يمتاز المحب للرب، جل وعلا، عمن سواه ممن أحب لغير الله، عز وجل، من حظ نفس زائف أو ملك زائل ...... إلخ.

ولا يستقيم ذلك البغض إلا مع العدل فبه قامت السماوات والأرض: والعدل إنما يكون في المعاملات الإنسانية التي يستوي فيها البشر كلهم، فليست معقد ولاء وبراء، فعدل في البيع والشراء بل وبر إن لم يكن المخالف حربيا فـ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)

فليس العدل أن ندخل بلادهم بإذنهم لنسرقهم أو نظلمهم، وليس العدل أن يدخلوا بلادنا بأمان لنقتلهم، ولو استفزونا بما يظهرونه من المنكرات كما هو الحال في هذه الأيام، فالعدل يقتضي الإحسان إليهم، ولو من باب التأليف، بلا ذل أو إعطاء للدنية في الدين، والشرع يقتضي بغضهم وبغض ما هم عليه من المنكرات وتغيير ذلك ما أمكن، إن أمنت المفسدة المعتبرة شرعا، ولو كان ذلك بالقلب لئلا يموت بمفارقة الغيرة الإيمانية له، وهي مادة حياته التي بها ينبض.

ولا زال الصراع بين الحق والباطل دائرا إلى أن يرث الله، عز وجل، الأرض ومن عليها، ومعركة الحجاب في أوروبا الآن هي إحدى جولاته و: (اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير