تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وليت الأمر اقتصر على ذلك فصار كل طرف لا يتدخل في شأن الطرف الآخر، ولكن ذلك، كما تقدم، خلاف سنة التدافع الكونية، فأوروبا الحرة تضغط على حكومات الدول الإسلامية لمصادرة حريات المسلمين في بلادهم، بشكل مباشر وغير مباشر، وبعض الحكومات في بلادنا: أوروبية أكثر من الأوروبيين! فهي أحرص منهم على مصادرة حريات المسلمين ولو بإظهار شعار الدين من هدي ظاهر والحجاب أحد صوره الرئيسة، فكل ذلك مطارد مضيق على أصحابه، بل ربما حظر بموجب قوانين رسمية تنفذ في منتهى الصرامة، والأوروبي الذي يطالبنا بالتزام قيم بلاده إن أردنا العيش فيها، يفد إلى بلادنا فيضرب بقيمنا عرض الحائط بل إنه، في أحيان كثيرة، يتعمد استفزاز مشاعرنا بتعمد مخالفة أعرافنا وعاداتنا لا سيما في أمور الظاهر من ملبس ونحوه فالاستفزاز لا يكون إلا بمخالفة الآداب العامة فيها، فأين احترام ثقافة الآخر وأنت ضيف ثقيل قد نزل به؟!

والإنسان، بمقتضى ما جبل عليه الكون من خلق الأضداد فيميل إلى أحد الضدين دون الآخر، الإنسان بمقتضى ذلك لا بد أن يحب ويبغض، وذلك أمر ظاهر لا ينكره إلا من فسد عقله أو حسه فساوى بين ما ينفعه وما يضره، فليتناول إذن السم فهو محب لكل الأشياء ولو كان فيها هلاكه، وليحب إذن ما يخرج من بدنه من الفضلات، أكرمكم الله، فهو لا يبغض شيئا في هذا الكون، ولو كان ذلك مما تنفر منه النفوس طبعا!، فذلك، كما تقدم، أمر لا يمكن أن يستقيم أبدا لأنه يصادم فطرة الإنسان التي جبلت على حب الموافق الملائم، وبغض المخالف، فلا يوجد إنسان لا يحب ويبغض، فتلك مشاعر آدمية، بل حيوانية قد جبلت الكائنات الحية الحساسة عليها، فإنسان بلا محب يوافقه ومبغض يخالفه:

إما أن يكون جمادا لا يحس فليس له في الآدمية نصيب وإن كان معدودا من جملة البشر.

وإما أن يكون منافقا فلا أعداء له إذ يحسن التجمل لكل أحد فيظهر له في الهيئة التي ترضيه!، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع كونه أشرف الخلق وأفضلهم وأحبهم إلى الرب، جل وعلا، لم يسلم من المخالف المبغض بل أغلب البشر في زماننا يبغضونه لجهلهم المركب بشخصه الكريم وسيرته العطرة، فلا يعلمون حتى اسمه بالكامل فضلا عن سيرته التي تقدم لهم بطريقة موضوعية! تلفق فيها الأكاذيب وتستقطع فيها الأحداث على طريقة القص واللزق التي يجيدها ملفقو الشبهات، فتروج على المغفلين وما أكثرهم في زماننا، وإن أظهروا ما أظهروا من الدراية وسعة الاطلاع!، فإذا كان هذا حال خير الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه كغيره من البشر أحب وأبغض، فوالى من أحب في الله، وعادى من أبغض في الله تحقيقا لتلك العروة الإيمانية الوثيقة عروة: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ)، فكفر بالطاغوت وأبغضه قبل أن يؤمن به ويحبه فالمحل لا بد أن يخلى من وصف الشر قبل أن يحلى بوصف الإيمان، فلا يتصور، كما تقدم، كون مستقيم قد انتظم أمره، ولا يتصور إنسان حي حساس بلا مشاعر حب وكراهية في قلبه، فتلك مادة حياته، لو تدبر، فيحب من المحسوسات والمعقولات ما ينفع بدنه وقلبه، أو ما يظن هو أنه كذلك وإن لم يكن كذلك بالفعل لفساد عقله وتصوره فلا يميز بين النافع والضار.

فمن أراد أن يجمع الأمم كلها تحت راية إنسانية واحدة!، راية المحبة أو ... إلخ، كما يروج الآن فأديان الحب التي لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا من قبيل أديان ابن عربي وابن الفارض وجلال الدين الرومي ... إلخ التي يسعى الغرب بمؤسساته الثقافية الآن إلى إحياء تراث أصحابها الذي يلائم غايات أوروبا في تقليم أظافر المسلمين واستئناسهم برسم المحبة والمودة والأخوة والإنسانية، وهي بطبيعة الحال: فرض عين على المسلمين دون من سواهم!، فالمطلوب من المسلم أن يحب غيره ولو كرهه ذلك الغير وصفعه على قفاه وتعدى على نفسه وعرضه وماله، فلا بديل له عن خيار المحبة الاستراتيجي، فمن أراد جمع الأمم كلها تحت هذه الراية الوهمية: فقد أبطل شعيرة الولاء والبراء بالتسوية بين المختلفات، فصار الكل عنده سواء!، وذلك أمر يناقض الشرائع، بل والفطر التي جبلت كما تقدم على الحب والبغض، فأوروبا، على سبيل المثال في معركة الحجاب الدائرة الآن، تحب العري وتكره النقاب والحجاب فتلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير