تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خير وفضيلة، ألا وهو القرآن الكريم فذهب به إلى معلم الصبيان وجعله عنده ليعلمه القرآن، فأخذ يلقنه القرآن شيئا فشيئا، فكان يتلقاه خير تلق بأذن صاغية وقلب واع، وما لبث أن شغف بالقرآن حتى لا يحب أن يصرف عن الاشتغال به لحظة واحدة ولم يلهه جماح الصبا ولا مرح الطفولة عن تلاوته، بل لقد كان يكره كل ما يشغله عن القرآن، فحدث ذات يوم أن الصبيان أكرهوه على اللعب معهم، فحاول الفرار من أيديهم وهو يبكي لإكراههم على اللعب معهم ولم يثنه ذلك الحال عن قراءة القرآن، وإذا بشيخ ظاهر الصلاح يشاهد ذلك الحال منه فيمتلئ قلبه محبة له، لتفرده عن أقرانه بهذا السلوك الفذ، وهو إذ ذاك لم يتجاوز العاشرة من العمر ـ أي السن الذي يكون الطفل فيه لا يطمح لشيء أكثر من طموحه للعب والترح ـ وحدث أن جعله أبوه وهو في هذه السن في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن فتفرس هذا الشيخ من سلوكه هذا بأنه سيكون له شأن صالح إن كان له فسحة في الأجل، فذهب إلى معلمه ووصاه به قائلا له: أنه يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به، فساله المعلم، أمنجم أنت؟ فأجاب الشيخ: لا ولكن الله أنطقني بذلك.

وقال صاحب الطبقات الوسطى: فلما كان ابن تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق، فسكن بالمدرسة الرواحية، وحفظ " التنبيه " في نحو أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع " المهذب " ولازم الشيخ كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي، ثم حج مع والده ثم عاد، وكان يقرأ كل يوم اثنى عشر درسا على المشايخ، شرحا وتصحيحا فقها وحديثا وأصولا ونحوا ولغة إلى أن برع وبارك الله له في العمر اليسير ووهبه العلم الكثير.

ثناء العلماء عليه

قال تلميذه ابن العطار: شيخي وقدوتي الإمام ذو التصانيف المفيدة، والمؤلفات الحميدة، وحيد دهره وفريد عصره، الصوام القوام، الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة صاحب الأخلاق الرضية، والمحاسن السنية، العالم الرباني المتفق على علمه وإمامته وجلالته وزهده وورعه وعبادته وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته، له الكرامات الطامخة والمكرمات الواضحة، والمؤثر بنفسه وماله للمسلمين، القائم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والتمل بدقائق الفقه والاجتهاد عن الخروج من خلاف العلماء ولو كان بعيدا والمراقبة لأعمال وتصفيتها من الشوائب، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة، وكان محققا في علمه وكل شؤونه، حافظا لحديث رسول الله ـ ـ، عارفا بأنواعه كلها من صحيحه، وسقيمه وغريب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه، حافظا لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم، وإجماعهم وما اشتهر من جيمع ذلك، سالكا في كل ذلك طريق السلف، قد صرف أوقاته كلها في أنواع العمل، فبعضها للتصنيف، وبعضها للتعليم وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة والتدبر والذكر لله ـ تعالى ـ وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقال الشيخ قطب الدين موسى اليونيني الحنبلي:

المحدث الزاهد العابد الورع المفتخر في العلوم، صاحب التصانيف المفيدة، كان أوحد زمانه في الورع والعبادة والتقلل من الدنيا والإكباب على الإفادة والتصنيف مع شدة التواضع، وخشونة الملبس والمأكل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقال الكمال جعفر الأدفوي:

إنه صنف تصانيف مفيدة حصل النفع بها، ودارت عليه الفتوى بدمشق.

قال: ومآثره عزيزة عزيرة، ومضى على جميل وسداد.

قال: وكان فقده من أعظم المصائب، وعدمه بليه رمت العباد بسهم من البلاء صائب، رحمه الله ونفعنا ببركته وحشرنا معه في آخرته في دار كرامته.

وقال الحافظ الذهبي:

الشيخ الإمام القدوة الحافظ الزاهد العابد الفقيه المجتهد الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الآنام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان واشتهرت بأقصى البلدان.

إلى أن قال: لازم الاشتغال والتصنيف محتسبا في ذلك مبتغيا وجه الله ـ تعالى ـ مع التعبد والصوم والتهجد والذكر والأوراد وحفظ الجوارج وذم النفس والصبر على العيش الخشن ملازمة لا مزيد عليها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير