قال: وكان ملازمته التامة للعلم ومواظبته لدقائق العمل وتزكية النفس من شوائب الهوى وسيء الأخلاق ومحقها من أغراضها، عارفا بالحديث قائما على أكثر متونه عارفا برجاله رأسا في نقل المذهب، متضلعا من علوم الإسلام.
وقال اليافعي:
شيخ الإسلام، مفتي الآنام، المحدث المتقن المدقق النجيب الحبر المفيد القريب والبعيد، محرر المذهب وضابطه ومرتبه، أحد العباد الورعين الزهاد العالم العامل، المحقق الفاضل، الولي الكبير، السيد الشهير، ذو المحاسن العديدة والسير الحميدة والتصانيف المفيدة، الذي فاق جميع الأقران، وسارت بمحاسنه الركبان واشتهرت فضائله في سائر البلدان، وشوهدتن له الكرامات وارتقى في أعلى المقامات، ناصر السنة، ومتعمد الفتاوى، ذو الورع الذي لم يبلغنا مثله عن أحد في زمانه ولا قبله.
ال: ولقد بلغني أنه كان يجري دمعه في الليل ويقول:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة ……على غير ليلى فهو دمع مضيع
قال: وقد رأيت له مقامات تدل على عظم شأنه، ودوام ذكره لله ـ تعالى ـ، وحضوره وعمارة أوقاته، وشدة هيبته، وتعظيم وعده ووعيده.
وقال الحافظ ابن كثير
الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه، ومن حاز قصب السبق دون أقرانه، وكان من الزهادة والعبادة والتحري والورع والامتنان على الناس والتخلي لطلب العلم، والتحلي به على جانب لا يقدر عليه غيره، ولا يضيع من أوقاته.
وقال تاج الدين السبكي رحمه الله:
كان يحيى ـ رحمه الله ـ سيدا حصورا، وليثا على النفس هصورا، وزاهدا لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعا معمورا، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أنتواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة هذا مع التفنن في أصناف العلوم فقهاء، ومتون أحاديث وأسماء الرجال ولغة وتصوفا وغير ذلك.
زهده وورعه وعبادته رحمه الله
والزهد هو الرغبة عن الشيء لاستقلاله واستحقار والرغبة فيما هو خير منه، وإنما ينشأ الزهد من اليقين بالآخرة ومعرفة قدر التفاوت بي الدنيا والآخرة، وأن الآخرة خير وأبقى من الدنيا، ولم يكن إمامنا النووي ـ رحمه الله ـ ليغتر بالدنيا وزخارفها وزينتها، وإنما جعل حظه منها كزاد الراكب أسوة بالنبي ـ
وقال اليونيني: والذي أظهره وقدمه على أقرانه ومن هو أفقه منه، كثرة زهده في الدنيا، وعظم ديانته وورعه.
أما ورعه رحمه الله: والورع هو الكف عن المحرمات واجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات، وترك مالا بأس به حذرا مما به بأس.
وقد كان الورع ظاهرا جدا في حياة الإمام النووي، وفقد وصفه السبكي بقوله: ما اجتمع بعد التابعين المجموع اجتمع في النووي، ولا التيسير الذي تيسر له.
وما ذاك إلا لما كان عليه من الورع الثخين، الذي خرب به دنياه جعل دينه معمورا.
أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر
لقد اشتهر هذا الأمر عن إماما حتي أنه أصبح مبرزا فيه ومن ذلك ما ورد أن الظاهر بيبرس لما أراد قتال التتار بالشام أخذ الفتاوى من العلماء بجواز أخذ مال من الرعية يستنصر به على قتالهم، فكتب له فقهاء الشام بذلك فأجازوه.
فقال: هل بقي أحد.
فيقيل له: نعم بقي الشيخ محيي الدين النووي فطلبه فحضر.
فقاله له: اكتب خطك مع الفقهاء فامتنع.
فال: ما سبب امتناعك؟
فقال: أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير (بندقار) وليس له مال، ثم من الله عليك وجعلك ملكا، وسمعت أن عندك ألف مملوك،كل مملوك له حياصة من الذهب وعندك مائتا جارية، لكل جارية حق من الحلي، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلا من الحوائص وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، أفتيتك بأخذ المال من الرعية، فغضب الظاهر من كلامه.
وقال: أخرج من بلدي ـ يعني دمشق.
فقال: السمع والطاعة، وخرج إلى نوى.
فقال الفقهاء: إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدى به، فأعده إلى دمشق.
فرسم برجوعه، فامتنع الشيخ
وقال: لا أدخلها والظاهر فيها، فمات بعد شهر.
مصنفاته رحمه الله
قال الأستاذ: أحمد عبد العزيز قاسم:
¥