تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومرب، صنع جيلا من الرجال تفاخر أمة الإسلام كل الأمم به، بل وفيه ما لا يخفى من القدح في الحجة الرسالية بتجويز اجتماع الأمة على ضلالة، وتواطؤها بأكملها على الكتمان!، وهو أمر يخالف قياس العقل الصريح بغض النظر عن مناقضته لأصل الديانة، فتجويز وقوعه قدح في أصل إسناد الديانة، ولا ثقة، بل لا قيمة لإسناد سقطت أولى طبقاته بتجريح رجالها جرحا عاما قد بلغ حد التكفير والتخوين، ولذلك تتباين اتجاهات الغزو الفكري لأعداء الإسلام ولكنهم يتواطئون غالبا على القدح في الصدر الأول، رضي الله عنهم، فإسقاطهم في أعين المسلمين إسقاط للديانة فيحسم الإشكال ابتداء ويكفى الطرفان شر القتال!.

مع أن الصحيح هو عكس ما ذهب إليه هذا المفكر الفارسي المعتز بقوميته اعتزازا يفوق اعتزازه بدينه ولو على ما تصوره وانتحله من مذهب يخالف مذهب الجماعة، فالإسلام، بمتانة أصوله الفكرية، نجح في غزو قلاع النصرانية في بلاد كمصر والشام، ونجحت لغته في غزو قلاع الآرامية والقبطية والبربرية في الشام ومصر والمغرب، ولا يجد مسلم بل عاقل في نفسه حرجا من ذلك، فإن العقلاء مجمعون على وجوب تحري الحق بدليله، ومن نظر في أدلة صحة الديانة وعلامات صدق الرسالة الخاتمة، بإنصاف وتجرد في طلب الحق بلا حظ نفس، فإن ذلك يورثه علما جازما يبلغ حد اليقين بصحة هذا الدين، فإذا علم أن الحق في اتباعه، فألهم ذلك، فما عليه أن يهجر لأجله إرثه الفكري الأول برسم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)، وهذا أمر ظاهر في حال كل طلاب الحق من سائر الملل والألسنة والثقافات، فإن من اعتقد صحة طريقة الإسلام، فإنه يكون من أحرص الناس على تعلم مبادئ الإسلام الإجمالية، بل وأحكامه التفصيلية، ولسانه العربي ليدرك معاني التنزيل، ويصحح عباداته من صلاة ونحوه، بإجادة القراءة الواجبة والأذكار التوقيفية من تسبيح وتحميد ........ إلخ، ولا يشعر مع ذلك بأنه خائن للحضارة التي ينتمي إليها بحكم النشأة والتربية، فالأمر، كما تقدم، يفتقر إلى الإخلاص والتجرد، فالحق مراد كل العقلاء، أيا كان زمانه أو مكانه أو لسانه .... إلخ، ولذلك لم يشعر عامة المصريين بالخيانة الحضارية لما اعتنقوا الإسلام وتعلموا العربية فصارت لسانهم الرئيس، بل قد تعلمه النصارى الذين اختاروا البقاء على نصرانيتهم، وذلك لا يكون بداهة إلا اختيارا، فلا يتصور أن العرب الغزاة!، كما يروج أولئك وأذنابهم من العلمانيين، قد قهروهم على تعلم العربية وهجر القبطية، ولم يقهروهم مع ذلك على اعتناق الإسلام!، بل قد استرد كثير من رءوسهم مناصبهم الدينية بعد أن كانوا مطاردين إبان الحكم النصراني الكاثوليكي الروماني لمصر، والتاريخ شاهد عدل في تلك المضائق، كما تقدم، فلا يجامل أحدا لدينه أو لسانه أو قوميته .... إلخ، وبقي للقبطية وجود رمزي إلى يوم الناس هذا، كلغة شعائر، بل أغلب الأناجيل المتداولة الآن في مصر هي عبارة عن ترجمات عربية، فلا يجيد الشعائر القبطية إلا القساوسة والكهان، فاللسان العربي باستقامته وثرائه اللفظي قد فرض نفسه على أهل البلاد المفتوحة، دون جبر أو إكراه، فدين الإسلام دين: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، فكيف يكون الإكراه في اللغة؟!.

وقل مثل ذلك في المغرب، فالبربر، مع اعتزازهم الشديد بقوميتهم التي تأبى الخضوع لمحتل أو فاتح، وصراعهم مع الرومان الغازين ثم مع المسلمين الفاتحين خير شاهد على ذلك، فلم ينجح الرومان في فرض دينهم أو لسانهم على البربر، وعانى الإسلام عسكريا وفكريا حتى انقاد البربر له، ولم يكن ذلك بداية عن اقتناع فخاض الطرفان صراعا مريرا من زمن الفتح العسكري بقيادة عقبة بن نافع، رحمه الله، إلى زمن الفتح الفكري، إن صح التعبير، في ولاية إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر، رحمه الله، والي الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، فقد نجح في فتح قلوب البربر فحصل الانقياد التام لدين الإسلام، وبقي للبربر خصوصيتهم الثقافية، وبقيت الهوة بين البربر والعرب، فتارة تضيق وتارة تتسع، فهذا أمر لا ينكره أحد، ولا زالت آثاره إلى يوم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير