تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الناس هذا، ولكنه في الماضي لم يكن صراعا بين البربر والإسلام، كما قد روج المحتل في الأعصار المتأخرة، فلم يجد البربر، أيضا، غضاضة في اعتناق الإسلام وهجر إرثهم الديني الوثني، بل إن صراعهم مع العرب، قد اتخذ بعدا دينيا، فكانوا يلحون في طلب المساواة مع العرب استنادا إلى نصوص شرعية محكمة من قبيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، و: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى"، لا سيما زمن الدولة الأموية التي عرفت بميلها إلى العصبية العربية، دون بقية العصبيات، بل إن ذيوع مذهب الخوارج في تلك الأصقاع، بداية من عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، لما ازداد اضطهاد الولاة العرب للبربر، لم يكن إلا استنادا إلى نصوص شرعية، وإن أساءوا فهمها وتأويلها، فراق لهم مذهب الخوارج في المشرق الذين لم يشترطوا القرشية في الخلافة، وإنما جوزوا تولي غير القرشي إمامة المسلمين العظمى، وذلك قول باطل، فهي حق للقرشي الكفء إن وجد، كما قد أثر عن الصديق رضي الله عنه فـ: "لَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا"، والشاهد أنهم مع انتحالهم لهذا المذهب الباطل لم ينصبوا العداء للإسلام نفسه، بل كانوا قبل انتحاله جندا مخلصا للإسلام لا سيما زمن الفتح الإسلامي للأندلس فكان عامة الجند بربرا وكان القائد من البربر، وكان الرائد الأول الذي لم يكذب أهله: طريف بن مالك، رحمه الله، من البربر، وبعد ذهاب سكرة هذا المذهب الذي انحسر بعد ذلك فليس له في زماننا إلا وجود محدود في جبال وصحارى المغرب العربي، بعد ذهاب سكرته غلب الإسلام، والمدرسة المالكية تحديدا على عموم تلك الأنحاء، ولم ينجح العبيديون في فرض المذهب الإسماعيلي الإلحادي على قبائل المغرب إلا قبائل بعينها لغلبة الجهل عليها كقبيلة كتامة الجناح العسكري، إن صح التعبير، للحركة العبيدية الإسماعيلية في المغرب، واسترد الإسلام عافيته مرة أخرى في تلك البلاد بظهور الحركات الإصلاحية كحركة الشيخ عبد الله بن ياسين، رحمه الله، التي نجحت، مع ما عليها من مؤاخذات شرعية في بعض تفاصيلها الجزئية، في إحداث صحوة إسلامية كانت سببا رئيسا في ظهور دولة المرابطين كقوة مغربية بربرية ساهمت في إنقاذ الإسلام في الأندلس، بعد انهيار الخلافة الأموية في دورها الثاني، وكان الصراع بين العصبيات أيضا سببا رئيسا في إضعافها، ولكنه، لم يكن صراعا دينيا، بل كان صراعا سياسيا عرقيا، فقد نجح المسلمون عربهم وبربرهم في فتح الأندلس وترسيخ قدم الإسلام فيه، ولكنهم نقلوا صراعهم العرقي من المغرب إلى الأندلس، فكان الصراع بين العرب والبربر في الأندلس فرعا عن صراعهم في المغرب، وكان بعض ملوك الطوائف بعد سقوط الخلافة: عربا كبني عباد أصحاب إشبيلية وبني هود أصحاب سرقسطة، وبعضهم: بربرا كبني ذي النون أصحاب طليطلة وبني مناد أصحاب غرناطة، وكان بينهم من الحروب والدسائس ما قد علم، ولكنهم لما أحسوا بخطر نصارى الشمال بعد سقوط طليطلة سنة 478 هـ، لم يجد معظمهم حرجا في الاستنجاد بالبربر المغاربة، بل كان أول الداعين إلى ذلك المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية وهو عربي عريق النسب، فالصراع بين القبيلين كان دائما تحت مظلة الإسلام، وهو وإن كان مذموما شرعا، إلا أنه واقع كونا، بمقتضى سنة التدافع، وهي سنة تقع بين الجماعات بل والأفراد، بل وتقع بين أبناء الحي الواحد، والبيت الواحد، بل وتقع بين أهل العلم قديما وحديثا، مع أنهم في جملتهم: أبعد الناس عن التعصب والانتصار للنفس، ولكنها، كما تقدم، سنة كونية نافذة، فليس الإشكال في وقوعها، وإنما الإشكال في تضخيمها وتقديمها على معقد الولاء والبراء الأول وهو: الديانة، وهذا ما نجح المحتل في استثماره

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير